لقد استغربت كثيرا كرئيس للمكتب التنفيذي للمنتدى الأمازيغي، عندما أخبرت في إطار متابعتي لملف دعم المنتدى كباقي الجمعيات، بعد وضعه بالمجلس الإقليمي لمدينة الخميسات ولأول مرة، قرار رفض الطلب، لكن ما استغربت له أكثر المبررات المستفزة المقدمة من طرف الموظف المكلف بدراسة ملفات الجمعيات، حيث أخبرني هذا الأخير أن السلطات
الوصية في شخص الآمر بالصرف قررت في إطار ميزانية هذه السنة (2010) كما هو الحال بالنسبة للسنوات السابقة، من تخصيص الدعم فقط للجمعيات والأندية الرياضية، فهي ترى - حسب الموظف - أن المنطقة هي ذات خصوصية رياضية؟، وهو ما جعلني كرئيس للمنتدى الأمازيغي أكتب لعامل الإقليم مراسلة في الموضوع أخبره بتصريحات الموظف وألتمس منه ردا واضحا ومكتوبا عن صحة الخبر كما أخبرته صراحة أننا ناضلنا ولازلنا، من أجل رد الاعتبار للمكون الأمازيغي والاعتراف بالخصوصية الثقافية لكل المناطق الأمازيغية، والخميسات واحدة من هذه المناطق، فما يميزها هي خصوصيتها الثقافية وليس الرياضية. وإذا كانت الدولة في تقريرها المقدم للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي ستنعقد بجنيف بتاريخ 20 فبراير 2010 - والذي تلقى المنتدى الأمازيغي كإطار حقوقي نسخة منه - يضم التقريران الدوريان 17 و18 من إعمال المغرب للاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال الميز العنصري، يعتبر في البندين 83 و 94 على التوالي:
- أن السياسة التي ينهجها المغرب اتجاه المسألة الأمازيغية لا تدمج هذه المسألة في إطار مناهضة الميز العنصري بل في إطار مشروع مجتمع ديمقراطي يقوم على بناء الدولة العصرية القائمة على المساواة والتكافل الإجتماعي والوفاء للروافد الأساسية للهوية الوطنية، هذه السياسة التي تعتز بالأمازيغية كمكون أسياسي في الشخصية الوطنية وفي الهوية الثقافية للشعب المغربي، وبالتالي فإن المحافظة والنهوض بها مسؤولية وطنية.
- أن التجربة التي عرفها المغرب على مستوى الجهوية جعلته يتبنى منظورا جديدا للجهوية يتجاوز فيه البعد الترابي إلى بعد سياسي يمكن من ممارسة ديمقراطية محلية.
وبالتالي فالمسؤولية الوطنية وتجاوز البعد الترابي إلى البعد السياسي المنشود، لا يمكن تحقيقه بالقفز عن الواقع، وتغييب المعطى التاريخي والثقافي للمناطق، ودون توفير شروط ومتطلبات التنمية المحلية في كل أبعادها، وضمان ذلك، كما أن قرارا بهذا المستوى قد يعتبر خطئا بسيطا من شأنه أن يؤدي لمواقف سياسية نحن في غنى عنها اليوم، خاصة وأن مسألة الخصوصية تطرح نفسها اليوم بحدة وهو ما تعبر عنه مواقف الحركة الأمازيغية بكل من الريف والجنوب الشرقي وسوس والأطلس الكبير...
لكن وكما يقول مونتسكيو: "من يملك السلطة، يميل إلى سوء استعمالها"، وما تبني السلطات الوصية لهذا القرار إلا سوءا منها لحسن التدبير خاصة وأن صلاحيات الآمر بالصرف في إحدى أهم وحدات الجماعات المحلية، يتنافى مع رغبة الدولة في وضع مفهوم جهوي حقيقي قادر على النهوض بالتنمية المحلية بكل أبعادها، الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية...
وإذا كان الوضع السياسي الراهن يفرض على السلطات المحلية إعادة نظرها في القرار - إن كان فعلا صحيحا كما ورد عن الموظف المسؤول- فالتشريعات الوطنية هي الأخرى تفرض عليه نفس المنطق، خاصة وأن الميثاق الجماعي الذي تم تعديله مؤخرا، تم من خلاله توسيع و تعدد مسؤوليات المجلس الجماعي لتشمل كل مجالات التنمية المحلية، بالإضافة إلى تعديلات أخرى تمحورت عموما حول تقوية آليات الحكامة المحلية، إذ أعطى هامشا واسعا للجماعات المحلية من أجل تدبير الشأن الثقافي والنهوض به سواء عبر خلق لجن ثقافية يعهد إليها بالسهر على المجال الثقافي ( المادة 14 ) أو عبر نقل بعض اختصاصات الدولة إلى الجماعات المحلية في هذا المجال ( المادة 42 ) أو عبر الصلاحيات الممنوحة للجماعات المحلية كإحداث دور الشباب والمركبات الثقافية، المكتبات الجماعية، المتاحف، المسارح، المعاهد الفنية والموسيقية ( المادة 41 ) وكذا تأهيل المدن العتيقة، والحفاظ على خصوصيات التراث المحلي وحماية المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي...
ففي الوقت الذي ننتظر فيه أن تنتقل الجماعات المحلية من آلة إدارية / خدماتية صرفة إلى لعب دور الفاعل الثقافي خاصة وأن مع التطور القانوني المهم في اختصاصاتها، خاصة الجانب المتعلق بتدبير الشأن الثقافي. وعوض أن تضمن السلطات الوصية مدى التزام هذه المؤسسات بالاختصاصات الموكولة لها، نجدها تتجه عكس ذلك، وأن ما تقوم به يعتبر عملا معرقلا للعمل الجماعي من جهة، و للتنمية الجماعية من جهة أخرى.
بيتش محمد
رئيس المكتب التنفيذي للمنتدى الأمازيغي
مدير نشر ورئيس تحرير جريدة المنتدى الأمازيغي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق