الأربعاء، 17 فبراير 2010

رسالة من تندوف :كابوس الطفل المختفي المحارب بلا اختيار

كنت يومها أنعم بهدوء ودفء الطفولة، لا يدور في رأسي غير أحلام الطيور التي أقصى غايتها قد تكون حبة خضراء صالحة من العيوب تأكلها على غصن فيه الحياة كل الحياة تملكه لوحدها, نعم لم أفكر يومها سوى أن أحصل على لعبة جميلة ترمقها عيني مرات ومرات.

ليلتي ليلاء تلك.. خيمتنا التي تكدس كل أفراد العائلة فيها نياما وجلوسا.. وزادني إحباطا حينها، ربما صوت الريح الذي يهز جدران خيمتنا.. شعور مختلط بين الفرح والخوف وشعور آخر مريح أو غير ذلك، ربما كذاك الشعور الذي نحسه في ليل بارد نامت فيه معالم الحضارة المتمثلة بالكهرباء قبل أن ينام الناس, فكرت حينها أن أعمل بنصيحة أمي، فاستسلمت لدفء الفراش وأغمضت عيني, غمضة قوية التصق معها رموشي بحاجبي واصطكت معها أسناني اللبنية, غمضة أخذتني في نفق الدنيا, واحتوتني رياح لم أعهدها , وصادفتني وجوه كأنها العفاريت, ظلام, وفوضى سوداء, وأن أشم زمهرير البعد قسرا, صراع , جدال, حمى.. نفسي,نفسي هكذا يصرخ كل من التقيتهم...

وعلى جانب آخر أختي ذات 14 ربيعا, رأيتها قابضة مستنجدة تصرخ من جريمة اغتصابها واستغلالها جنسيا في حقول كوبا .. هل يكفي مزيد من وصف الكابوس أسوقه عن ذلك المجرم الأرعن الذي أرسلها إلي كوبا تحت ذريعة التعليم..

أنا طفل بين النخيل والصخور والرمال ترقد حكاياتي , والأرض تتحرك تحت أقدامي , فأسأل أمي عن دمعة أراها تحرق وجنتيها : لماذا البكاء يا أمي؟ هل سيصيبني مكروه..! فلا تجيب, وتلوذ بوجهها عني وتمسح دمعها بطرف ردائها, فألح بالسؤال فترد بصوت ممزق كتمزق خيمتنا : يا صغيري, نحن كبش فداء للقوى المعادية للإنسانية بدون خطيئة !!

أستنطق السؤال المتحجر في فؤادي هؤلاء الذين أرسلوا أختي وأخي وأبن عمي وبنت خالتي إلي معسكرات كوبا وهم يبتسمون ويضحكون : هل لهم أطفال؟ كيف يفكرون فيهم ؟ ما شعور أحدهم لو شاهد طفلته الوحيدة أو طفله وهو ينهش من مزارع كوبي أو جندي كوبي لجعلهم مقاتلين في المستقبل ومن سيقاتل ؟

ما ذنب طفولتي إذاً وأنا الذي لم أجنِ شيئاً؟ هل تحتاج براءة جسدي لأن تنهش لأكون مقاتل المستقبل , هل وجودي فقط من دون أطفال الأرض خطيئة ؟ أسير في طرقات العالم أبحث عن ابتسامة , أبحث عن حضن دافئ , أبحث عن حلوى , أبحث عن مأوى , لا أحد يجيب !ّّّ فأعود لأجد حضن أمي قد مزقته آلام فراق أبنائها وخوفها على مستقبلي.

هل لي أن أتجرأ بسؤالكم : ما ذنب طفولتي تسرق مني وأنا الذي لم أجن ذنباً ؟ طفولة أختي ما الذنب الذي اقترفت ؟ وبأي ذنب اغتصبت ؟ هل طفولتي في نظركم خطيئة ؟

وتعتدون على طفولتنا وتريدون منا أن نبتسم , : سيتشرد أهلي وتقتل طفولتي , فهل تتوقعون أن نمنحكم أنهار الحب..! وهل من السهولة أن يمنح الحب لمن يختطف الأطفال الأبرياء من أحضان أسرهم ؟

هناك تعليق واحد: