الخميس، 11 فبراير 2010

"حركة حقوقية وديمقراطية قوية" :"من أجل دستور ديمقراطي، دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة"

اختارت اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان كشعار مركزي لمؤتمرها الوطني التاسع المقرر عقده من 13 إلى 16 ماي 2010: "حركة حقوقية وديمقراطية قوية من أجل دستور ديمقراطي، دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة"

وقد دأبت الجمعية منذ مؤتمرها الوطني الثالث المنعقد في دجنبر 1991 على عقد مؤتمراتها تحت شعارات مركزية ذات بعد استراتيجي تظل صالحة كنبراس لعملها الحقوقي رغم مرور عدة سنوات. وللتذكير فقد كان مضمون الشعارات المركزية كالتالي:


المؤتمر الوطني الثالث (6، 7، 8 دجنبر 1991): "وحدة العمل للدفاع عن حقوق الإنسان سبيلنا نحو بناء دولة الحق والقانون ومجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية"



المؤتمر الوطني الرابع (23، 24، و25 دجنبر 1994): " من أجل مواطنة بكافة الحقوق"



المؤتمر الوطني الخامس (3، 4، و5 أبريل 1998): " لنناضل جميعا من أجل سيادة كل حقوق الإنسان"



المؤتمر الوطني السادس (30 – 31 مارس و1 أبريل 1998): " عدم الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية والسياسية شرط للديمقراطية والتنمية"



المؤتمر الوطني السابع (9 – 10 و11أبريل 2004):" من أجل دستور ديمقراطي في خدمة حقوق الإنسان ومغرب بدون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".



المؤتمر الوطني الثامن (19 إلى 23 أبريل 2007): "جميعا من أجل دستور ديمقراطي، مغرب الكرامة وكافة حقوق الإنسان للجميع"





وتسعى هذه الأرضية إلى المساهمة في تسليط الضوء على شعار المؤتمر الوطني التاسع وعلى مختلف أبعاده وذلك عبر توضيح الأهداف الاستراتيجية التي تم تسطيرها (الدستور الديمقراطي، دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة) والوسيلة المحددة للمساهمة في بلوغها: حركة حقوقية وديمقراطية قوية.





1) وقبل هذا وذاك لا بد من تعليل اختيار الأهداف التي حددها الشعار وذلك من خلال معاينة للوضع الحقوقي ببلادنا بارتباط مع محنة الديمقراطية ومع الانتقال الديمقراطي المحجوز.



إننا في المغرب لسنا بعد في بلد ديمقراطي وفي دولة للحق والقانون. وهناك من يصنف النظام السياسي المغربي كنظام ديمقراتوري بمعنى أنه نظام ديكتاتوري يتلبس عددا من مظاهر الديمقراطية. لقد أصبح هذا معروفا لدى مجمل الأشخاص الواقعيين، حتى ضمن أنصار النظام السياسي القائم الذين لا يتجرؤون على وصف النظام الحالي بالديمقراطي مفضلين الحديث عن الانتقال الديمقراطي، معلنين أن المغرب يوجد في مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية.



المشكل هنا هو أن هذا الانتقال الذي بدأ رسميا في سنة 1976 وسمي آنذاك بالمسلسل الديمقراطي طال أمده. وحتى إذا افترضنا جدلا أنه بدأ من جديد مع حكومة التناوب في مطلع 1998 ومع تربع محمد السادس على العرش في يوليوز 1999، فإن مدته فاقت العشر سنوات وهي مدة طويلة كذلك بالقياس مع الانتقال الديمقراطي في إسبانيا (أو البرتغال أو اليونان) البلد الذي عرف ديكتاتورية فرانكو لمدة 40 سنة والذي انتهى بعد فترة قصيرة إلى الديمقراطية الليبرالية المتجسدة في:

ــ الإقرار بالسيادة الشعبية وبحقوق الإنسان الكونية.



ــ تشييد المؤسسات الديمقراطية.



ــ تمكين البلد من حكومة تحكم فعلا وتمتيعها بمجمل السلطات التنفيذية.



ــ تمكين البلد كذلك من برلمان ذي سيادة، يتوفر على كافة السلطات التشريعية والرقابية

للحكومة وللأجهزة التنفيذية عامة.



ــ التأسيس للقضاء كسلطة مستقلة من شأنها ضمان احترام الحريات والقوانين.



ــ إقرار الفصل بين السلط.



ــ إقرار للمساواة التامة بين الرجل والمرأة مع احترامها بشكل كبير على المستوى العملي.



ــ بناء جهوية ديمقراطية تذهب إلى حد الحكم الذاتي لبعض المناطق.



ــ احترام الحقوق اللغوية والثقافية لكافة المجموعات الإثنية والوطنية.





ولابد من الإشارة إلى أن النظام الذي جاء بعد ديكتاتورية فرانكو هو نظام ملكي. إلا أن الأمر في إسبانيا يتعلق بنظام حيث الملك يسود ولا يحكم وحيث أن المطلب الجمهوري غير مجرم مما يتجسد بالملموس في النشاط القانوني لأحزاب جمهورية.





أما في المغرب، فالوضعية تختلف جذريا عن الوضع الذي عرفته إسبانيا ويمكن قياس ضعف "الديمقراطية" المغربية عبر ضعف احترام حقوق الإنسان الذي يتجسد:



أولا، في غياب أي إقرار ملموس، في الدستور أو غيره من الوثائق القانونية الملزمة، بقيم حقوق الإنسان الكونية: الكرامة، الحق في الحياة والأمان الشخصي، الحرية، المساواة والتضامن.



ثانيا، في عدم التصديق على عدد من اتفاقيات حقوق الإنسان (اتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، الاتفاقية حول إلغاء عقوبة الإعدام، الاتفاقية ضد الاختفاء القسري،...) وحقوق العمال (وفي مقدمتها الاتفاقية رقم 87 حول الحريات النقابية) أو التصديق مع تحفظات قد تفرغه من مضمونه الإيجابي كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة.



ثالثا، في ضعف ملاءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وعدم الإقرار الدستوري بمبدأ أولية مقتضيات الاتفاقيات الدولية على التشريعات المحلية.

وفي هذا المجال، نجد أن الدستور نفسه باعتباره القانون الأساسي للبلاد غير منسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان حيث أنه يدستر للعلاقات المخزنية التي تستمد أصولها من النظام الإقطاعي ويدستر للحكم الفردي المطلق (الأوتوقراطية) للحكم الديني (التيوقراطية).

رابعا، على مستوى الواقع الملموس، إن حقوق الإنسان تعرف انتهاكات خطيرة بل وجسيمة في العديد من الحالات، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال:

ــ الانتهاكات لحق الشعب المغربي في تقرير مصيره وهو الحق الذي انتهك في مجمل الانتخابات

والاستشارات التي عرفتها بلادنا.

ــ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي الذي عاشته بلادنا منذ انتهاء

عهد الحماية.

ــ الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالإرهاب ومكافحة الإرهاب



ــ الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بنزاع الصحراء.



ــ الانتهاكات المرتبطة بالحقوق الفردية والحريات الشخصية والجماعية.



ــ ملف القضاء.



ــ ملف السجون.



ــ ملف حقوق المرأة.



ــ انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.





ــ انتهاكات حقوق الطفل والمهاجرين والأشخاص المعاقين.

ــ انتهاكات الحق في البيئة السليمة





إن هذا التشخيص السريع لأوضاع حقوق الإنسان يبين أننا مازلنا بعيدين كل البعد عن مواصفات الديمقراطية المتعارف عليها عالميا وأننا لسنا بعد في دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة، ومن هنا طرح هذه الأهداف على مستوى الشعار المركزي للمؤتمر الوطني القادم.





2) مطلب إقرار الدستور الديمقراطي



إن الجمعية تعتبر أن الدستور الجاري به العمل والمصادق عليه في شتنبر 1996، مثله مثل الدساتير الأربعة التي سبقته، ليس دستورا ديمقراطيا من حيث الجوهر، وإن كان يقر في ديباجته بتبني المغرب لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ويضم عددا من المقتضيات تنسجم جزئيا منع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.





فمن حيث المضمون، إن الدستور:



ــ لا يقر بالسيادة الشعبية ولا يعترف بالشعب كمصدر لكل السلط.



ــ يجمع جوهر السلط الأساسية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بيد الملك وليس هناك فصل حقيقي لهذه السلط كما ليس هناك فصل بين السلطة الدنيوية والسلطة الدينية. والقضاء نفسه لا يعتبر كسلطة داخل الدستور وإنما كجهاز. كما أن الحكومة لا تتوفر على السلطة الضرورية لممارسة مهام السلطة التنفيذية، والبرلمان ليس له سوى سلطات محدودة على مستوى التشريع والمراقبة.

ــ لا تقر مقتضياته بعدد من حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة والسلامة البدنية، حرية العقيدة، المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق، الحق في الدخل العادل الذي يضمن الحياة الكريمة، الحق في الصحة والسكن اللائق والبيئة السليمة، الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية.

أما على مستوى أسلوب بلورة الدستور وطريقة المصادقة عليه: يعرف الجميع أن الدساتير المغربية تمت بلورة مضامينها وصيغها بطريقة فوقية من طرف المؤسسة الملكية دون مشاركة للقوى الحية بالبلاد، وأن المصادقة عليها تمت عبر استفتاءات لا مصداقية لنتائجها، نظرا لتلك النسب الخيالية حول المشاركة والمصادقة بنعم والتي تتجاوز 96% على العموم.

اعتبارا لما سبق ولضرورة إقرار دستور ديمقراطي كمدخل لبناء دولة الحق والقانون، أكد المؤتمر الوطني الثامن للجمعية من خلال البيان العام على ضرورة إقرار دستور ديمقراطي، من حيث منهجية صياغته من طرف ممثلي القوى الحية بالبلاد، ومضمونه الديمقراطي، وأسلوب المصادقة النهائية عليه بواسطة استفتاء ديمقراطي حر ونزيه كما أكد نفس البيان العام: "إن الدستور الديمقراطي المنشود يجب أن يرسخ قيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية، ومن ضمنها المساواة وفي مقدمتها المساواة في كافة المجالات بين الرجل والمرأة، ومبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية، والسيادة الشعبية التي تجعل من الشعب أساس ومصدر كل السلطات، وتوفر الحكومة على كافة السلطات التنفيذية والبرلمان على كافة الصلاحيات التشريعية، والقضاء كسلطة وليس مجرد جهاز، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفصل الدين عن الدولة.

كما يجب أن يؤسس الدستور الديمقراطي المنشود للجهوية الديمقراطية وللحماية والنهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين.

وإن المؤتمر وهو يؤكد على مطلب الدستور الديمقراطي كبوابة لبناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق، يعرب عن تخوفه من أي محاولة جديدة لإجهاض هذا المطلب الديمقراطي الأصيل باللجوء إلى تعديلات جزئية وظرفية تحافظ على الجوهر الاستبدادي للدستور الحالي".

وبالنسبة لحماية اللغة والثقافة الأمازيغية فقد دققت اللجنة الإدارية للجمعية في أكتوبر 2007 هذا المطلب حيث طالبت بإقرار الدستور للغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.



3) وضع أسس بناء دولة الحق والقانون

إن مقومات الدولة المخزنية تتناقص بشكل واضح مع مقومات دولة الحق والقانون التي لا يمكن بدونها التوفر على الإطار الكفيل باحترام حقوق الإنسان الكونية.

وقد تم التطرق في الفقرة السابقة لمطلب إقرار دستور ديمقراطي باعتباره البوابة الرئيسية لبناء دولة الحق والقانون وللتخلص من الانتهاكات الجسيمة مستقبلا.

أما الأسس الأخرى لتشييد دولة الحق والقانون فهي أساسا:



ــ إعطاء قيم حقوق الإنسان مكانة أساسية في المنظومة الدستورية والقانونية والثقافية

والتعليمية لبلادنا.

ــ المصادقة دون تحفظات على كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.



ــ ملاءمة التشريعات والقوانين المغربية مع معايير حقوق الإنسان الكونية بدءا بالقانون

الجنائي وقوانين الحريات العامة وقانون الأحزاب وقوانين الشغل.

ــ تمكين بلادنا من قضاء مستقل نزيه وكفء يضمن احترام الحريات والقوانين.



ــ تمكين الشعب المغربي من تقرير مصيره على كافة المستويات عبر ضمان نزاهة الانتخابات والتعبير

الحر عن الإرادة الشعبية.

ــ ضمان الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان وللقوانين الجاري بها العمل خاصة عندما تكون منسجمة مع

معايير حقوق الإنسان الكونية.









4) مجتمع الكرامة والمواطنة



إن الوجه الثاني للدولة المخزنية هو مجتمع الرعايا. لذا فإن التخلص من العلاقات المخزنية تفرض حتما اندثار هذا المجتمع العتيق واستبداله بمجتمع ديمقراطي عصري تسوده قيم الكرامة والمواطنة.

والكرامة لها جوانب مادية ومعنوية؛ جوانبها المادية تتمثل في مقومات العيش الكريم الأساسية: الحق في التنمية والحق في الشغل، احترام حقوق العمال، وكذا الحق في التعليم والصحة والسكن وفي الدخل الكافي والقار والضمان الاجتماعي؛ أما الجوانب المعنوية فتتمثل في الحرية والمساواة والتخلص من كل ما يشكل إهانة للإنسان ببلادنا.



أما مجتمع المواطنة فيفترض قوانين تحترم حقوق الإنسان وكذا احترام هذه القوانين على قدم والمساواة بين جميع أفراد المجتمع دون تمييز.



خلاصة القول، إن المهام الاستراتيجية المطروحة في الشعار المركزي للمؤتمر، سواء تعلق الأمر بدولة الحق والقانون أو بمجتمع الكرامة والمواطنة لا يمكن تحقيقها في إطار الدستور غير الديمقراطي الحالي. وقد فشلت كل المحاولات لاحترام الحد الأدنى من الحقوق والديمقراطية في ظل الإطار الدستوري الحالي: وعلى سبيل المثال، فقد ظلت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة حبرا على ورق ونفس الشيء بالنسبة للأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان.

كل هذا يؤكد ضرورة بناء موازين قوى جديدة لفائدة المدافعين عن الديمقراطية حتى يتمكنوا من إسماع صوتهم وبلوغ هدف الإقرار بدستور ديمقراطي، بمقومات دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة. وهذا ما تم تجسيده في عبارة حركة حقوقية وديمقراطية قوية. فكيف السبيل إلى ذلك؟



5) إن تقوية الحركة الحقوقية المغربية تعتمد على ركيزتين أساسيتين: تقوية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وتقوية مكونات الحركة الحقوقية المغربية مع تشكيل جبهة حقوقية مناضلة قوية.

إن تقوية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يعد إحدى المرتكزات الأساسية لبناء حركة حقوقية قوية. وهذا ما دأب عليه قادة وقواعد الجمعية منذ تأسيسها في 24 يونيه 1979 وما يصر على مواصلته بنجاح قادة وقواعد الجمعية حاليا. وقد قطعت الجمعية أشواطا مهمة في هذا المجال.

فالجمعية اليوم، أصبحت لها 90 فرعا محليا ولها ما يزيد عن 10 ألاف منخرط(ة) في نهاية 2009 من بينهم ما يقرب من ألفين امرأة وعدد كبير من الشباب. كما أن الجمعية تتميز بضبط كبير لوضعها التنظيمي يحتكم إلى قانونها الأساسي ونظامها الداخلي حيث أن المؤتمرات تعقد في وقتها كل 3 سنوات وكذا بالنسبة لاجتماعات اللجنة الإدارية (كل 3 أشهر) والمكتب المركزي (كل أسبوعين)، والفروع تجدد مكاتبها بانتظام كل سنة ونصف. وبالنسبة للمشاركة النسائية داخل الجمعية ، فإن تقلد امرأة ــ الأخت خديجة رياضي ــ لرئاسة الجمعية لم يأت من فراغ بل إنه تتويج لذلك المجهود الجبار الذي بذلته الجمعية، منذ مطلع التسعينات ولحد الآن من أجل انخراط النساء داخل الجمعية ومن أجل تحملهن للمسؤولية في كل الأجهزة القيادية الوطنية والمحلية والجهوية حيث رفعنا داخل الجمعية شعار "الثلث في أفق المناصفة"، وهو الشعار الذي تم تحقيقه على مستوى اللجنة الإدارية والمكتب المركزي ومكاتب الفروع المحلية والجهوية.

والجمعية تتميز بصرامتها المبدئية حيث أقرت منذ مؤتمرها الوطني الثالث في إطار ديباجة قانونها الأساسي ستة مبادئ أساسية: كونية حقوق الإنسان وشموليتها، جماهيرية النضال الحقوقي في تعارض مع التصورات النخبوية السائدة في مجال العمل الحقوقي، الديمقراطية كنظام مجتمعي وكعلاقات داخل الجمعية، والإستقلالية عن السلطة وعن أي تنظيم سياسي، والتقدمية التي تجعل من جمعيتنا جزء لا يتجزأ من الحركة التقدمية المغربية والعالمية.



كما تميزت الجمعية بمواقفها الجريئة في سائر مجالات العمل الحقوقي مستندين على كونية حقوق الإنسان للتصدي لكل ما من شأنه انتهاك حقوق الإنسان أو التعتيم عليها باسم الخصوصية أو باسم ما يسمى بالمقدسات أو الثوابت وأحيانا باسم "الواقعية ومراعاة المشاعر".



ومن هنا مواقف الجمعية من الدستور، من المساواة بين الرجل والمرأة التي يجب أن تشمل كافة المجالات ودون تحفظات، من ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي أو بنهب المال العام ومختلف أصناف الفساد الاقتصادي، من عقوبة الإعدام ومن الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، من الحريات الشخصية . من هنا كذلك مطالبتنا بفصل الدين عن الدولة وباحترام مقومات العلمانية المتجسدة في التزام الدولة بالحياد في تعاملها مع مختلف الديانات، ومع المذاهب المختلفة داخل الديانة الواحدة. ومن هنا كذلك موقف الجمعية المندد بكافة الانتهاكات المرتبطة بالنزاع حول الصحراء مهما كان مصدرها وهو ما جسدناه على سبيل المثال لا الحصر في انتقادنا للممارسة القمعية التي لجأت إليها الدولة في ملف أمينتو حيدر. ومن هنا كذلك موقف الجمعية من الحماية القانونية للغة والثقافة الأمازيغية بدءا بالإقرار الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. كما تميزت الجمعية بمواقفها الواضحة والعملية من الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهو ما تجسد في الدفاع المتواصل عن الحقوق الشغلية وعن الحق في العيش الكريم وما واكبه عن دور بارز وطلائعي للجمعية داخل التنسيقيات ضد الغلاء ومن أجل الدفاع عن الخدمات العمومية وسائر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن هنا أيضا واستنادا على حق الشعوب في تقرير مصيرها مواقفنا الثابتة المناهضة للهيمنة الإمبريالية والمتضامنة مع الشعبين الفلسطيني والعراقي وسائر الشعوب في نضالها ضد الاحتلال والعدوان الإمبريالي.

ولم تكتف الجمعية بالمبادرات والمواقف الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان بل انتبهت كذلك إلى ضرورة النهوض بحقوق الإنسان وبشكل خاص بثقافة حقوق الإنسان. ومن هنا الاهتمام المتزايد بالتربية على حقوق الإنسان في إطار الأندية الحقوقية سواء وسط التلاميذ والطلبة أو في إطار المخيمات الحقوقية لليافعين والشباب.



هذه صورة جد مركزة عن الجمعية؛ اليوم ولاستكمالها لابد من استحضار دورها على المستوى الدولي حيث الجمعية أصبحت عضوا داخل منظمات حقوقية دولية عريقة (الفدرالية الدولية لمنظمات حقوق الإنسان، الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، الإتحاد الإفريقي لحقوق الإنسان، الرابطة الدولية للحقوقيين الديمقراطيين، المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، التحالف الدولي للموئل: شبكة حقوق الأرض والسكن). كما تجدر الإشارة إلى الدور الرائد للجمعية في تأسيس التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان التي تضم الآن 24 تنظيما حقوقيا مغاربيا ومن ضمنها كل التنظيمات الحقوقية القوية على المستوى المغاربي. وليس صدفة أن تتحمل الجمعية مسؤولية التنسيق لهذه التنسيقية وكذا مسؤولية احتضانها إداريا. كل هذا دون الحديث عن علاقات الجمعية المتميزة مع جمعيات لها تأثير دولي كبير مثل منظمة العفو الدولية والمنظمة الأمريكية هيومان رايت وتش ("مراقبة حقوق الإنسان").

كل هذا تم ويتم بفضل تضحيات المناضلات والمناضلين، ذلك أن العمل التطوعي هو الأساس. وإن يسألونا عن مصادر التمويل نقول لهم أولا وقبل كل شيء: الإمكانيات الخاصة للمناضلات والمناضلين الذين يفرغون جيوبهم ويضحون بأوقاتهم ويستعملون وسائلهم الخاصة لتحيى الجمعية. أما دور التمويل من خارج الجمعية فهو دور تكميلي وفي جميع والحالات فهو يتم مع الحفاظ التام على استقلالية الجمعية.

لقد عرفت الجمعية منذ تأسيسها أربع فترات أساسية:



ــ الفترة الأولى، من التأسيس في 1979 إلى منتصف 1983؛ وقد تميزت بزخم مهم تم خلاله تأسيس ما يقرب من 20 فرعا. ثم جاء القمع المتمثل في اعتقال عدد من مسؤولي الجمعية ومنع مؤتمرها الثاني في 1983 وفي اعتقال عدد من مناضليها في يناير 1984.



ــ فترة الجمود من 1984 إلى 1988



ــ فترة الانبعاث من 1988 إلى 1991، وقد تميزت هذه الفترة بعقد المؤتمرين الثاني (مارس 1989) والثالث (دجنبر 1991). وقد لعب كل من الأخوين محمد الحيحي رئيس الجمعية آنذاك ونائبه عبد الرحمان بن عمرو دورا بارزا في هذه الفترة بصمودهما، بتبصرهما وبتعاملهما الرصين مع عدد من المستجدات: تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان من طرف عدد من المنشقين عن الجمعية بالإضافة لفعاليات أخرى، التنسيق المستمر بين الجمعية والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، البلورة الوحدوية للميثاق الوطني لحقوق الإنسان من طرف خمس تنظيمات حقوقية، رفض المشاركة في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان رغم الضغوطات الممارسة عليها، تصدي الجمعية الحازم للخروقات.



ــ فترة التطور المستمر للجمعية منذ ذلك الحين وإلى الآن، انطلقت مع المؤتمر الوطني الثالث الذي مكن المرأة لأول مرة من تقلد مناصب المسؤولية في المكتب المركزي والذي تبنى المبادئ الأساسية للجمعية وطور قانونها الأساسي وطرح أسس الاهتمام المستقبلي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.



وخلال هذه الفترة، عرفت الجمعية بفضل أطرها ومناضليها ومناضلاتها من مختلف المشارب، تطورا مستمرا هو الذي نلمس نتائجه اليوم من خلال القوة المكتسبة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.



والجمعية اليوم محكومة بقانون التطور، فإما أن تستمر في التطور وإما ستتراجع وتتقهقر في مختلف المجالات. وعلى الجميع أن ينخرط في هذا التطور وأن يساهم في تقوية الجمعية وذلك عبر:



ــ تفعيل أكبر وأفضل لمبادئها الستة.



ــ تطوير مواقفها وتصوراتها في بعض المجالات التي طرحت نفسها في المدة الأخيرة: العلمانية، الحريات

الفردية، الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.



ــ الإهتمام أكثر بتشبيب الجمعية وتأنيثها وباندماج المثقفين الديمقراطيين ومختلف فئات الشغيلة داخلها.



ــ تطوير عمل الفروع المحلية لتعمل كتنظيمات حقوقية شبه مستقلة بلجانها الوظيفية ولجانها المحلية وطبعا في إطار ثوابت الجمعية وتوجهاتها؛ كل هذا مع تطوير اللجان المحلية لتقريب الجمعية من المواطنات والمواطنين وتطوير عمل الفروع الجهوية وفقا لتصور أكثر نضجا وفعالية للعمل الجهوي للجمعية..

ــ التفتح على سائر الفعاليات الديمقراطية مع خلق الشروط لذلك.



ــ انتقال الجمعية إلى مستوى أعلى من الجماهيرية لتضم في 2013، بعد 3 سنوات وخلال المؤتمر

العاشر 15000 إلى 20000 عضوا ولتضمن تواجدها في مختلف الدوائر الإدارية عبر فروعها أو لجانها المحلية.

ــ إيلاء أهمية أكبر للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء كجمعية أو في

إطار التنسيقيات.



ــ الاهتمام أكثر وأفضل بأندية حقوق الإنسان للشباب (طلبة، تلاميذ، معطلين، أجراء)، للنساء، بالمخيمات الحقوقية وبالتربية على حقوق الإنسان بكافة الوسائل المتاحة.

ــ توطيد علاقات الجمعية مع التنظيمات الحقوقية والديمقراطية بالداخل والخارج.



ــ اهتمام أكبر بامتدادات الجمعية بالخارج عبر تشجيع لجان دعم الجمعية بالخارج وتشكيل لجان

الجمعية وفروعها بالخارج.

هذه بعض ملامح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان القوية التي نريد أن تكون لبنة أساسية في مسيرة تقوية الحركة الحقوقية المغربية.




6) تقوية مكونات الحركة الحقوقية المغربية وتشكيل جبهة حقوقية مناضلة

تتشكل الحركة الحقوقية المغربية من مختلف التنظيمات الحقوقية العامة المدافعة عن حقوق الإنسان في شموليتها (الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية) ومن سائر التنظيمات الديمقراطية التي تدافع عن حقوق خاصة محددة: الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة، هيئات المعطلين المدافعة عن الحق في الشغل، الجمعيات المدافعة عن حقوق الطفل، عن الحق في البيئة السليمة ، عن حقوق السجناء، عن حقوق الأشخاص المعاقين، عن حقوق العمال (النقابات)، عن الحق في الصحة، عن الحريات العامة، عن الحريات الفردية، عن المهاجرين المتواجدين ببلادنا،...الخ.

إننا في الجمعية نطمح إلى تقوية مختلف هذه التنظيمات سواء على مستوى تبنيها للمرجعية الحقوقية الكونية أو عبر تقوية عملها الميداني واتخاذها لمواقف مبدئية من القضايا الحقوقية التي تشكل مجال اشتغالها.



ولكننا نطمح أكثر من ذلك إلى تشكيل جبهة حقوقية مناضلة بعمل منظم ومنتظم. ولا شك أن تحيين وتطوير الميثاق الوطني لحقوق الإنسان سيلعب دورا كبيرا في هذا المجال حيث سيشكل الإطار النظري والبرنامج المشترك لمكونات هذه الجبهة الحقوقية المناضلة.

بحلول 10 دجنبر من هذه السنة، سنحتفل بالذكرى العشرين للميثاق الوطني لحقوق الإنسان. وإن أجمل احتفال سيكون هو التحام مجمل الحركة الحقوقية الديمقراطية حول ميثاق وطني جديد أكثر تطورا من ميثاق دجنبر 1990.




7) تقوية الحركة الديمقراطية المغربية



إننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لا نسعى فقط إلى تقوية وتفعيل الحركة الحقوقية في إطار جبهة حقوقية مناضلة ولكن كذلك وأبعد من ذلك إلى تقوية الحركة الديمقراطية المغربية ككل



بروافدها السياسية والنقابية والثقافية والحقوقية والجمعوية.

وفي الجمعية اعتبرنا دائما أن المكتسبات الديمقراطية، الجزئية والهشة، التي حققناها في المغرب لم تكن نتيجة لنضال الحركة الحقوقية وحدها بل كانت أولا وقبل كل شيء نتيجة للنضالات المتواصلة والعسيرة لمجمل مكونات الحركة الديمقراطية التقدمية ببلادنا. ونحن مازلنا نتبنى نفس الموقف معتبرين أن الحركة الديمقراطية ككل مطالبة بالقيام بواجبها من أجل تحقيق المطالب الحقوقية والديمقراطية التي لا يمكن بدونها بناء دولة الحق والقانون كبديل للدولة المخزنية ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق كبديل لمجتمع الرعايا المفروض علينا منذ قرون.



ولن يتأتى ذلك بالنسبة للحركة الديمقراطية ببلادنا بدون توضيح الرؤيا بشأن البرنامج الديمقراطي ببلادنا والذي يجب أن يتضمن بالأساس إقرار دستور ديمقراطي صياغة ومضمونا ومصادقة ووضع لبنات دولة الحق والقانون وفي مقدمتها المصادقة دون تحفظات على كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان مع ملاءمة القوانين المغربية معها ومع احترام قيم ومعايير حقوق الإنسان على المستوى العملي، ومع التأسيس لقضاء مستقل، نزيه وكفء يضمن احترام الحريات والقوانين والتأسيس لانتخابات حرة ونزيهة تكفل لسائر المواطنات والمواطنين حقهم في المشاركة السياسية وللشعب المغربي حقه في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.



ولاشك أن تفعيل شعار "وحدة العمل من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان" الذي رفعته الجمعية منذ مؤتمرها الثالث في دجنبر 1991 سيكون حافزا لبلورة البرنامج الديمقراطي المنشود ولكن كذلك حافزا للانخراط في الدينامية النضالية الوحدوية لمناهضة الاستغلال والاستبداد والقمع وبناء أسس دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.



عبد الحميد أمين



18 يناير 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق