لحسن أيت لفقيه
بعد أربع سنوات فقط انتقل التفكير في جهة الجنوب الشرقي المغربي -التي اتسعت لتشمل الأقاليم التالية: زاكورة، ورزازات، الرشيدية، فيجيج، طاطا وأعالي ملوية- من الحلم والتمثل إلى فكرة بات التخطيط لتحقيقها ممكنا لقيامه على أسس كثيرة جغرافية تاريخية وإثنوغرافية
2
- الخصائص المشتركة لجهة
الجنوب الشرقي
أشار بيان القطب الجمعوي للتنمية الديموقراطية بالجنوب الشرقي إلى أنه سيرافع في الإشكالات الكبرى والاهتمامات المشتركة للفعاليات التنموية بالجنوب الشرقي، وهي كثيرة كالتصحر والتهميش والعزلة. فالتصحر يكاد يشكل خطرا على كل واحات الجنوب الشرقي. وأما التهميش الذي قد يتخذ لباس الميز الجغرافي فيمكن ملامسته في التقطيع الجهوي الحالي. فلا أحد يجال في الفرق البين بين منطقتي سوس ماسة من جهة وبين منطقة درعة وتنغير من جهة ثانية، ولا غبار على الفرق الشاسع بين مكناس ومحيطها وبين كل المناطق الممتدة من الأطلس المتوسط الهضبي إلى تافيلالت، وهي الأطلس المتوسط وأعلي ملوية والأطلس الكبير الشرقي والهضاب الواقعة جنوب الانكسار الأطلسي الجنوبي، وواحات الرتب وتافيلالت وبوذنيب وغريس. والقياس ممكن على وضع فيجيج بالجهة الشرقية. والتهميش يستصحب معه
العزلة والانغلاق والتقوقع.
عرف الجنوب الشرقي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لذلك فهو نطاق جغرافي حاضر بقوة في خريطة جبر الضرر الجماعي (الرشيدية، فيجيج، ورزازات، زاكورة ، وبعض النقط بأعالي ملوية التابعة لإقليم خنيفرة)، ولذلك اهتدى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى فتح مكتبين إداريين بقلب الجنوب الشرقي، مكتب ورزازات الذي يحق تسميته بمكتب الجنوب الشرقي، ومكتب ميدلت المنقطع للشأن الحقوقي بجهة
مكناس تافيلالت. وأما منطقة فيجيج فتابعة للمكتب الإداري الكائن بوجدة.
ويغشى الجنوب الشرقي جزءا كبيرا من النطاق الجغرافي الذي كان يطلق عليه المستعمر الفرنسي (المغرب غير النافع) لوقوعه جنوب شرق خط التساقطات المطرية المتساوية معدلاتها والتي لاتكفي لقيام زراعة بعلية فوق أن الجنوب الشرقي يفتقر إلى التربة الخصبة والإمكانيات والموارد
الطبيعية الأخرى.
3 - الجنوب الشرقي المغربي
والثقافة الجهوية
تطورت الثقافة الجهوية في الجنوب الشرقي المغربي من خلال النظم العرفية، أي الكونفدراليات القبلية، التي تعود إلى التاريخ القديم في المغرب. وهي نظم قبلية سائدة في الجهة الوهمية المذكورة إلى حدود عقود ما قبل الحماية الفرنسية. وهي نظم اتخدت لجنوب الشرقي مجالا وطيفية لها. أساسها التشريعي الجماعة العرقية على مستوى القبيلة، ومجلس الأربعين على مستوى الكونفدرالية القبلية. ويسهر على تنفيذ قراراتها شيخ المزرعة محليا وشيخ الشيوخ في النطاق القبلي الواسع. ولئن كانت اتحادية أيت ياف المان، وحدها، بالأطلس الكبير الشرقي، لم تحافظ في مسارها التنظيمي أي على مجلس الأربعين، أو شيخ الشيوخ مثل القائد المقاوم عسو أو بسلام آخر شيخ للكونفدرالية القبلية أيت عطة، فإن المحاولة الفاشلة التي قام بها الشيخ إبراهيم يسمور اليزدكي في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تستدعي مزيدا من البحث. ونظن أن الاستشهاد بالنظم القائمة بالجنوب الشرقي المغربي والجنوب المغربي مفيد لبيان المقصود بالنظم العرفية. ولقد حافظت المنطقة إلى وقت متأخر على النظم العرفية في شكلها القائدي المؤسساتي المتطور، بفعل إحداث سلطات الحماية الفرنسية القيادات التقليدية، في إطار ما يسمى السياسة الأهلية Autorités indigènes. وعلى الرغم من فشل أيت ياف المان في تأسيس مجلس الأربعين وانتخاب شيخ الشيوخ فإنها وضعت أسسا لقيادات تقليدية مكثت بعيدا في عهد الحماية الفرنسية وطيلة سنوات الرصاص. ولا تزال قيادة
أيت يزدك رغم لباسها المؤسساتي الحديث تحن لعهد نشاط معتقل تزممارت.
ولا ينبغي النظر إلى النظم العرفية انطلاقا من الأسطورة المروجة حول ظهير 16 مايو 1930 المنظم للمحاكم العرفية في عهد الحماية الفرنسية، والذي استقبل باحتجاج مدعم بقراءة اللطيف، وكأن كارثة عظمى تعرض لها البلاد. فكلنا يعرف أن تاريخ المغرب خال من أي خلاف لغوي ومن أي مشكل في الخلافة أو الوحدة. فالأمازيغ هم الذين رحبوا بمجيء القبائل العربية في العصرين الموحدي والمريني. وفي جميع الأحوال فالمخزن المغربي لا يؤسس تعامله بالمرة على أساس إثنوغرافي بل على أساس وظيفي محض، يتأثر بطبيعة السلطة المركزية. وكلما ساد الاستقرار السياسي ونجحت السلطة المركزية في فرض سيطرتها على المحاور التجارية والمواضع الإستراتيجية، تصادف في النصوص التاريخية الحديث عن تمرد قائد ما في قبيلة ما، وتعيين قائد أخر في صفوف قبيلة أخرى، وكلما ضعفت السلطة المركزية يحل النظام العرفي محل النظام القائدي المخزني، ويقتصر الولاء فقط على جمع الضرائب أحيانا وعلى
الدعوة للسلطان في الخطب المنبرية. فالقبائل المغربية تنظم نفسها بالعرف، لذلك زعم بعض الدارسين الفرنسيين أن هناك بلاد المخزن وبلاد «السيبا». ففي ما يسمى بلاد «السيبا» سلطان القبائل، وفي بلاد المخزن سلطان القائد. وحينما يحل سلطان القبائل محل سلطان المخزن يتأسس المجلس العرفي الذي يعمل وفق العرف مثل مجلس «ميعاد» بني يزناسن ومجلس بني كيل ومجلس قصور فيجيج ومجلس
أيت عطة ومجلس أيت أربعين بالصحراء المغربية الذي أنشأ عرفا يعود إلى سنة 1165هجرية.
ولقد ساهمت النظم العرفية في الأوساط القبيلة بالأراضي المحاذية للحدود المغربية الجزائرية في الجنوب الشرقي المغربي في تشكيل جبهة قبلية عرقلت، إلى حد كبير، التوسع الاستعماري بالشرق المغربي والجنوب الشرقي، أي في تلك الأراضي التي أضحت، بعد معاهدة لالة مغنية سنة 1845، ميدانا حيويا استهدفه المشروع الاستعماري الفرنسي بشمال أفريقيا وغربها. ولا مجال لاستحضار فصول تلك المعاهدة التي أمليت على المغرب، والوقوف عندها بالتحليل والنقد لبيان ما تضمنته من نقائص، ونقط الضعف وشروط قاسية، كما لا يفيد التتبع الكرونولوجي لتلك النظم التي تعود إلى العصر التاريخي القديم، حسب زعم المؤرخ الفرنسي جوهان ديزانج الذي نعتها بالكونفدراليات القبلية، لما تحويه من خصوصيات اتحادية بالفعل، لأن المهم هنا، أن قوة المد الاستعماري في القرن التاسع عشر اصطدم بحاجز من المقاومة العنيفة امتدت، عبر المكان، من أرض بني يزناسن بالمغرب الشرقي إلى مراعي أيت خباش بتافيلالت، وصمد في الزمان من احتلال الجزائر سنة 1830 إلى معركة مسكي سنة 1916
.
(يتبع)
لحسن أيت لفقيه
بعد أربع سنوات فقط انتقل التفكير في جهة الجنوب الشرقي المغربي -التي اتسعت لتشمل الأقاليم التالية: زاكورة، ورزازات، الرشيدية، فيجيج، طاطا وأعالي ملوية- من الحلم والتمثل إلى فكرة بات التخطيط لتحقيقها ممكنا لقيامه على أسس كثيرة جغرافية تاريخية وإثنوغرافية
2
- الخصائص المشتركة لجهة
الجنوب الشرقي
أشار بيان القطب الجمعوي للتنمية الديموقراطية بالجنوب الشرقي إلى أنه سيرافع في الإشكالات الكبرى والاهتمامات المشتركة للفعاليات التنموية بالجنوب الشرقي، وهي كثيرة كالتصحر والتهميش والعزلة. فالتصحر يكاد يشكل خطرا على كل واحات الجنوب الشرقي. وأما التهميش الذي قد يتخذ لباس الميز الجغرافي فيمكن ملامسته في التقطيع الجهوي الحالي. فلا أحد يجال في الفرق البين بين منطقتي سوس ماسة من جهة وبين منطقة درعة وتنغير من جهة ثانية، ولا غبار على الفرق الشاسع بين مكناس ومحيطها وبين كل المناطق الممتدة من الأطلس المتوسط الهضبي إلى تافيلالت، وهي الأطلس المتوسط وأعلي ملوية والأطلس الكبير الشرقي والهضاب الواقعة جنوب الانكسار الأطلسي الجنوبي، وواحات الرتب وتافيلالت وبوذنيب وغريس. والقياس ممكن على وضع فيجيج بالجهة الشرقية. والتهميش يستصحب معه
العزلة والانغلاق والتقوقع.
عرف الجنوب الشرقي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لذلك فهو نطاق جغرافي حاضر بقوة في خريطة جبر الضرر الجماعي (الرشيدية، فيجيج، ورزازات، زاكورة ، وبعض النقط بأعالي ملوية التابعة لإقليم خنيفرة)، ولذلك اهتدى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى فتح مكتبين إداريين بقلب الجنوب الشرقي، مكتب ورزازات الذي يحق تسميته بمكتب الجنوب الشرقي، ومكتب ميدلت المنقطع للشأن الحقوقي بجهة
مكناس تافيلالت. وأما منطقة فيجيج فتابعة للمكتب الإداري الكائن بوجدة.
ويغشى الجنوب الشرقي جزءا كبيرا من النطاق الجغرافي الذي كان يطلق عليه المستعمر الفرنسي (المغرب غير النافع) لوقوعه جنوب شرق خط التساقطات المطرية المتساوية معدلاتها والتي لاتكفي لقيام زراعة بعلية فوق أن الجنوب الشرقي يفتقر إلى التربة الخصبة والإمكانيات والموارد
الطبيعية الأخرى.
3 - الجنوب الشرقي المغربي
والثقافة الجهوية
تطورت الثقافة الجهوية في الجنوب الشرقي المغربي من خلال النظم العرفية، أي الكونفدراليات القبلية، التي تعود إلى التاريخ القديم في المغرب. وهي نظم قبلية سائدة في الجهة الوهمية المذكورة إلى حدود عقود ما قبل الحماية الفرنسية. وهي نظم اتخدت لجنوب الشرقي مجالا وطيفية لها. أساسها التشريعي الجماعة العرقية على مستوى القبيلة، ومجلس الأربعين على مستوى الكونفدرالية القبلية. ويسهر على تنفيذ قراراتها شيخ المزرعة محليا وشيخ الشيوخ في النطاق القبلي الواسع. ولئن كانت اتحادية أيت ياف المان، وحدها، بالأطلس الكبير الشرقي، لم تحافظ في مسارها التنظيمي أي على مجلس الأربعين، أو شيخ الشيوخ مثل القائد المقاوم عسو أو بسلام آخر شيخ للكونفدرالية القبلية أيت عطة، فإن المحاولة الفاشلة التي قام بها الشيخ إبراهيم يسمور اليزدكي في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تستدعي مزيدا من البحث. ونظن أن الاستشهاد بالنظم القائمة بالجنوب الشرقي المغربي والجنوب المغربي مفيد لبيان المقصود بالنظم العرفية. ولقد حافظت المنطقة إلى وقت متأخر على النظم العرفية في شكلها القائدي المؤسساتي المتطور، بفعل إحداث سلطات الحماية الفرنسية القيادات التقليدية، في إطار ما يسمى السياسة الأهلية Autorités indigènes. وعلى الرغم من فشل أيت ياف المان في تأسيس مجلس الأربعين وانتخاب شيخ الشيوخ فإنها وضعت أسسا لقيادات تقليدية مكثت بعيدا في عهد الحماية الفرنسية وطيلة سنوات الرصاص. ولا تزال قيادة
أيت يزدك رغم لباسها المؤسساتي الحديث تحن لعهد نشاط معتقل تزممارت.
ولا ينبغي النظر إلى النظم العرفية انطلاقا من الأسطورة المروجة حول ظهير 16 مايو 1930 المنظم للمحاكم العرفية في عهد الحماية الفرنسية، والذي استقبل باحتجاج مدعم بقراءة اللطيف، وكأن كارثة عظمى تعرض لها البلاد. فكلنا يعرف أن تاريخ المغرب خال من أي خلاف لغوي ومن أي مشكل في الخلافة أو الوحدة. فالأمازيغ هم الذين رحبوا بمجيء القبائل العربية في العصرين الموحدي والمريني. وفي جميع الأحوال فالمخزن المغربي لا يؤسس تعامله بالمرة على أساس إثنوغرافي بل على أساس وظيفي محض، يتأثر بطبيعة السلطة المركزية. وكلما ساد الاستقرار السياسي ونجحت السلطة المركزية في فرض سيطرتها على المحاور التجارية والمواضع الإستراتيجية، تصادف في النصوص التاريخية الحديث عن تمرد قائد ما في قبيلة ما، وتعيين قائد أخر في صفوف قبيلة أخرى، وكلما ضعفت السلطة المركزية يحل النظام العرفي محل النظام القائدي المخزني، ويقتصر الولاء فقط على جمع الضرائب أحيانا وعلى
الدعوة للسلطان في الخطب المنبرية. فالقبائل المغربية تنظم نفسها بالعرف، لذلك زعم بعض الدارسين الفرنسيين أن هناك بلاد المخزن وبلاد «السيبا». ففي ما يسمى بلاد «السيبا» سلطان القبائل، وفي بلاد المخزن سلطان القائد. وحينما يحل سلطان القبائل محل سلطان المخزن يتأسس المجلس العرفي الذي يعمل وفق العرف مثل مجلس «ميعاد» بني يزناسن ومجلس بني كيل ومجلس قصور فيجيج ومجلس
أيت عطة ومجلس أيت أربعين بالصحراء المغربية الذي أنشأ عرفا يعود إلى سنة 1165هجرية.
ولقد ساهمت النظم العرفية في الأوساط القبيلة بالأراضي المحاذية للحدود المغربية الجزائرية في الجنوب الشرقي المغربي في تشكيل جبهة قبلية عرقلت، إلى حد كبير، التوسع الاستعماري بالشرق المغربي والجنوب الشرقي، أي في تلك الأراضي التي أضحت، بعد معاهدة لالة مغنية سنة 1845، ميدانا حيويا استهدفه المشروع الاستعماري الفرنسي بشمال أفريقيا وغربها. ولا مجال لاستحضار فصول تلك المعاهدة التي أمليت على المغرب، والوقوف عندها بالتحليل والنقد لبيان ما تضمنته من نقائص، ونقط الضعف وشروط قاسية، كما لا يفيد التتبع الكرونولوجي لتلك النظم التي تعود إلى العصر التاريخي القديم، حسب زعم المؤرخ الفرنسي جوهان ديزانج الذي نعتها بالكونفدراليات القبلية، لما تحويه من خصوصيات اتحادية بالفعل، لأن المهم هنا، أن قوة المد الاستعماري في القرن التاسع عشر اصطدم بحاجز من المقاومة العنيفة امتدت، عبر المكان، من أرض بني يزناسن بالمغرب الشرقي إلى مراعي أيت خباش بتافيلالت، وصمد في الزمان من احتلال الجزائر سنة 1830 إلى معركة مسكي سنة 1916
.
(يتبع)
لحسن أيت لفقيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق