مقاربة تاريخية
إن فهم إشكالية السلطة السياسية بالمغرب يستلزم رصد التحولات السياسية و كذا استمرارية النخب و علاقاتها التاريخية في إطار الهياكل أو المؤسسات المخزنية، لأجل توضيح صورة و حقيقة المشهد السياسي بالمغرب و فهم العلاقات المؤطرة له، و الآليات الموجهة للفعل السياسي و العوامل التي أدت إلى تغييب ئمزيغن في مراكز القرار.
إن الفئة الاوليكارشية المسيطرة و المتحكمة في سلطة الحكم ما هي إلا امتداد تاريخي لما يسمى بالحركة اللاوطنية التي تأسست نهاية العشرينيات من القرن الماضي، و التي يقول جون واتربوري عن تأسيسها انه لم يكن مبنيا على معطيات أو توجهات فكرية و إنما على أساس مصالح سياسية و اقتصادية و علاقات قرابة و صداقة بين العائلات المورسكية لأجل ضمان إستمراريتها و هيمنتها على المستقبل السياسي للمغرب،و كانت وجهتهم هي التحالف مع المستعمر على حساب المصالح الحيوية للشعب المغربي . و قد عانت هذه الحركة فراغا فكريا و إيديولوجيا إلى أن صدر ظهير 16 ماي 1930 المسمى" الظهير البربري" الذي استغلته بشكل للأخلاقي و صاغت مجموعة من التأويلات المحنطة (1) التي تجعل من الإنسان الامازيغي نقيضا و عدوا لها، و لأجل إخضاع هذا النقيض المتمرد تم اللجوء إلى استغلال الدين بطرق مشوهة لترفع شعار "السلفية الجديدة" كخلفية إيديولوجية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، ليتحول هذا الشعار إلى إيديولوجية "العروبة و الإسلام" مباشرة بعد قدوم شكيب ارسلان إلى المغرب، و الذي استمرت علاقته بالحركة اللاوطنية إلى أن تم وضع الخطوط العريضة لسياسة التعريب و مخططات محو الخصوصيات الثقافية و الهوياتية للشعب الامازيغي ضمن الأولويات في الأجندة السياسية للحركة اللاوطنية، و بالموازاة يعمل المستعمر الفرنسي على تحطيم وهدم البنيات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و القانونية المنظمة لشؤون القبائل الامازيغية، ما يجعل الحركة اللاوطنية تطرح إطارات بديلة تدعي تمثيلية الشعب المغربي (كثلة العمل الوطني ، حزب عمل الشعب ،حزب الاستقلال...) هذه الإطارات تجعل من نفسها المحاور و الممثل الرسمي للشعب المغربي لدى المستعمر و الذي يتجلى في طرح مجموعة من الوثائق تسعى من ورائها إلى كسب مصالحها و كذا الشرعية لإستيلام مقاليد سلطة الحكم ( وثيقة مطالب الشعب المغربي ، وثيقة المطالبة بالاستقلال...) لتوقع هذه الحركة اتفاقية ايكس ليبان التي أفرزت استقلالا شكليا للمغرب، و استلام السلطة من طرف هذه الحركة يطرح لديها هاجس الاستمرارية، ما دفعها إلى تصفية كل أعدائها المحتملين و بالدرجة الأولى أعضاء المقاومة المسلحة و جيش التحرير (عباس لمساعدي...) و استغلت هذه النخبة نفوذها و إمكانية إنزال عقوبات كميزة مميزة للنخبة(4) لتمارس القمع و الاضطهاد بكل أشكاله على كل الأطراف الرافضة للخضوع لإرادتها و سلطتها (قمع انتفاضة الريف 58/59، محاكمة عدي اوبهي المتمرد ضد حكومة حزب الاستقلال بتافلالت و إعدامه......) وفي ذات السياق تم تأسيس ما يسمى باللجنة الملكية العليا لإصلاح التعليم و التي يترأسها المهدي بنبركة و التي أفرزت المبادئ الأربعة (المغربة، التعريب، التوحيد و التعميم)المؤطرة للتعليم وبالمقابل يتم إرسال بعثات مكونة من أبناء الحركة اللاوطنية للتدريس في أوروبا وأمريكا باللغات الحية العلوم الحديثة في التسيير و الاقتصاد و السياسة..... كل ذلك لأجل تأكيد مكانتها في الحكم، كما مارست ولازالت تمارس قمعا اقتصاديا ضد المناطق الثائرة أو ما يسمى بالتهميش الممنهج ضد المناطق الأمازيغوفونية إلى جانب القمع المعنوي المتمثل في الحكرة واهانة كرامة الإنسان الأمازيغي و التنقيص من قيمته (كما قال بنبركة"البربري بكل بساطة هو الذي لم يلج المدرسة بعد")، وكان دائما هاجس هذه النخبة هو الاستمرار في احتكار السلطة و الثروات ما يدفعها إلى القيام بتحالفات بين مختلف الفاعلين و المنتمين إلى التنظيمات الحزبية والقطاعات العامة، من اجل ضمان اللعب على اكبر عدد من الواجهات الممكنة والدي يطبعه طابع المصالح المتبادلة مما يجعل حدة الاختلافات ضعيفة إلى حد أنها منعدمة، لتبرز خصوصية أخرى ألا وهي المهادنة، لان الاختلاف في نظرها (النخبة الحاكمة ) سيفسح المجال أمام أطراف أخرى للمشاركة أو الانتماء إلى النخبة، وهدا الانتماء سيكون على حساب مصالحهم، وبالتالي فهي تراهن على تأجيل الاختلاف وتكريس الانطلاق و الانزواء على ذاتها من علاقات المصاهرة أو الروابط العائلية بين العائلات المكونة للنخبة، وفي هدا السياق قال احد النخبويين لجون واتر بوري" إننا نكون عائلة واحدة تشمل ما يقارب 200 عائلة يدعي بعضهم انه من التقدميين والبعض الآخر من الاستقلاليين أو الاتحاديين أو الملكيين، لكننا في الواقع أصدقاء يعرف كل منا الآخر ولا يجب النظر في اختلافاتنا الرسمية بجدية، إن الملكيين موجودون اليوم في الحكم لأننا بحاجة ماسة إلى مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية لكن ما إذا تدهورت علاقاتنا مع فرنسا أو قطعت علينا الولايات المتحدة الأمريكية مساعداتها سنشكل حكومة يتزعمها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ـ الاتحاد الاشتراكي حاليا ـ أو الاتحاد المغربي للشغل و سنطلب من روسيا أو الصين أن تساعدنا" و على هذا الأساس فالتوجهات الأديولوجية بين الأحزاب تبقى شكلية، فيما المحرك الرئيسي هو المصالح والبراكماتية كصفة ملازمة للنخبة، كما أن التناقضات الفكرية والإيديولوجية (البعض يدعي التقدمية والبعض الآخر يدعي السلفية...) تنمحي وتضمحل أمام العلاقات العائلية الأخطبوطية التي تميز النخبة.وبهذا المنطق الميكيافلي لممارسة السلطة السياسية(أي أن الغاية تبرر الوسيلة) ، تم تغييب الأمازيغ في مراكز القرار بالمغرب ، لأنهم بكل بساطة قاوموا المستعمر ورفضوا سياساته الاستغلالية، والآن هم عرضة للتهميش و الإقصاء والإبادة الجماعية، وسيظل هدا الواقع إلى أن يتوحد الأمازيغ في جبهة واحدة لإزالة الاضطهاد وتحقيق الذات،
الهوامش:
(1) للتوضيح أكثر في هذا الصدد انظر:"الظهير البربري اكبر أكذوبة سياسية في تاريخ المغرب المعاصر" لمحمد منيب
(2) شعار "السلفية الجديدة" يحمل تناقضات في ذاته، فالسلفية تعني العودة إلى السلف و تقليده، الجديدة أي لم تكن من قبل أو حديثة =سلفية حديثة
(3) استمرار العلاقة بين شكيب ارسلان و الحركة اللاوطنية و المتمثل في "الرسائل المتبادلة بين شكيب ارسلان و عبد السلام بنونة" للإشارة فهو احد مؤسسي القومية العربية في لبنان
مميزات النخبة: موريس دوفيرجيه في كتاب "علم اجتماع السياسة""(4)
(5) جون واتربوري في كتاب "الملكية والنخبة السياسية المغربية" ص 110
( (6) للتوضيح أكثر بخصوص العلاقات العائلية الأخطبوطية انظر المرجع السابق (5
إن فهم إشكالية السلطة السياسية بالمغرب يستلزم رصد التحولات السياسية و كذا استمرارية النخب و علاقاتها التاريخية في إطار الهياكل أو المؤسسات المخزنية، لأجل توضيح صورة و حقيقة المشهد السياسي بالمغرب و فهم العلاقات المؤطرة له، و الآليات الموجهة للفعل السياسي و العوامل التي أدت إلى تغييب ئمزيغن في مراكز القرار.
إن الفئة الاوليكارشية المسيطرة و المتحكمة في سلطة الحكم ما هي إلا امتداد تاريخي لما يسمى بالحركة اللاوطنية التي تأسست نهاية العشرينيات من القرن الماضي، و التي يقول جون واتربوري عن تأسيسها انه لم يكن مبنيا على معطيات أو توجهات فكرية و إنما على أساس مصالح سياسية و اقتصادية و علاقات قرابة و صداقة بين العائلات المورسكية لأجل ضمان إستمراريتها و هيمنتها على المستقبل السياسي للمغرب،و كانت وجهتهم هي التحالف مع المستعمر على حساب المصالح الحيوية للشعب المغربي . و قد عانت هذه الحركة فراغا فكريا و إيديولوجيا إلى أن صدر ظهير 16 ماي 1930 المسمى" الظهير البربري" الذي استغلته بشكل للأخلاقي و صاغت مجموعة من التأويلات المحنطة (1) التي تجعل من الإنسان الامازيغي نقيضا و عدوا لها، و لأجل إخضاع هذا النقيض المتمرد تم اللجوء إلى استغلال الدين بطرق مشوهة لترفع شعار "السلفية الجديدة" كخلفية إيديولوجية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، ليتحول هذا الشعار إلى إيديولوجية "العروبة و الإسلام" مباشرة بعد قدوم شكيب ارسلان إلى المغرب، و الذي استمرت علاقته بالحركة اللاوطنية إلى أن تم وضع الخطوط العريضة لسياسة التعريب و مخططات محو الخصوصيات الثقافية و الهوياتية للشعب الامازيغي ضمن الأولويات في الأجندة السياسية للحركة اللاوطنية، و بالموازاة يعمل المستعمر الفرنسي على تحطيم وهدم البنيات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و القانونية المنظمة لشؤون القبائل الامازيغية، ما يجعل الحركة اللاوطنية تطرح إطارات بديلة تدعي تمثيلية الشعب المغربي (كثلة العمل الوطني ، حزب عمل الشعب ،حزب الاستقلال...) هذه الإطارات تجعل من نفسها المحاور و الممثل الرسمي للشعب المغربي لدى المستعمر و الذي يتجلى في طرح مجموعة من الوثائق تسعى من ورائها إلى كسب مصالحها و كذا الشرعية لإستيلام مقاليد سلطة الحكم ( وثيقة مطالب الشعب المغربي ، وثيقة المطالبة بالاستقلال...) لتوقع هذه الحركة اتفاقية ايكس ليبان التي أفرزت استقلالا شكليا للمغرب، و استلام السلطة من طرف هذه الحركة يطرح لديها هاجس الاستمرارية، ما دفعها إلى تصفية كل أعدائها المحتملين و بالدرجة الأولى أعضاء المقاومة المسلحة و جيش التحرير (عباس لمساعدي...) و استغلت هذه النخبة نفوذها و إمكانية إنزال عقوبات كميزة مميزة للنخبة(4) لتمارس القمع و الاضطهاد بكل أشكاله على كل الأطراف الرافضة للخضوع لإرادتها و سلطتها (قمع انتفاضة الريف 58/59، محاكمة عدي اوبهي المتمرد ضد حكومة حزب الاستقلال بتافلالت و إعدامه......) وفي ذات السياق تم تأسيس ما يسمى باللجنة الملكية العليا لإصلاح التعليم و التي يترأسها المهدي بنبركة و التي أفرزت المبادئ الأربعة (المغربة، التعريب، التوحيد و التعميم)المؤطرة للتعليم وبالمقابل يتم إرسال بعثات مكونة من أبناء الحركة اللاوطنية للتدريس في أوروبا وأمريكا باللغات الحية العلوم الحديثة في التسيير و الاقتصاد و السياسة..... كل ذلك لأجل تأكيد مكانتها في الحكم، كما مارست ولازالت تمارس قمعا اقتصاديا ضد المناطق الثائرة أو ما يسمى بالتهميش الممنهج ضد المناطق الأمازيغوفونية إلى جانب القمع المعنوي المتمثل في الحكرة واهانة كرامة الإنسان الأمازيغي و التنقيص من قيمته (كما قال بنبركة"البربري بكل بساطة هو الذي لم يلج المدرسة بعد")، وكان دائما هاجس هذه النخبة هو الاستمرار في احتكار السلطة و الثروات ما يدفعها إلى القيام بتحالفات بين مختلف الفاعلين و المنتمين إلى التنظيمات الحزبية والقطاعات العامة، من اجل ضمان اللعب على اكبر عدد من الواجهات الممكنة والدي يطبعه طابع المصالح المتبادلة مما يجعل حدة الاختلافات ضعيفة إلى حد أنها منعدمة، لتبرز خصوصية أخرى ألا وهي المهادنة، لان الاختلاف في نظرها (النخبة الحاكمة ) سيفسح المجال أمام أطراف أخرى للمشاركة أو الانتماء إلى النخبة، وهدا الانتماء سيكون على حساب مصالحهم، وبالتالي فهي تراهن على تأجيل الاختلاف وتكريس الانطلاق و الانزواء على ذاتها من علاقات المصاهرة أو الروابط العائلية بين العائلات المكونة للنخبة، وفي هدا السياق قال احد النخبويين لجون واتر بوري" إننا نكون عائلة واحدة تشمل ما يقارب 200 عائلة يدعي بعضهم انه من التقدميين والبعض الآخر من الاستقلاليين أو الاتحاديين أو الملكيين، لكننا في الواقع أصدقاء يعرف كل منا الآخر ولا يجب النظر في اختلافاتنا الرسمية بجدية، إن الملكيين موجودون اليوم في الحكم لأننا بحاجة ماسة إلى مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية لكن ما إذا تدهورت علاقاتنا مع فرنسا أو قطعت علينا الولايات المتحدة الأمريكية مساعداتها سنشكل حكومة يتزعمها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ـ الاتحاد الاشتراكي حاليا ـ أو الاتحاد المغربي للشغل و سنطلب من روسيا أو الصين أن تساعدنا" و على هذا الأساس فالتوجهات الأديولوجية بين الأحزاب تبقى شكلية، فيما المحرك الرئيسي هو المصالح والبراكماتية كصفة ملازمة للنخبة، كما أن التناقضات الفكرية والإيديولوجية (البعض يدعي التقدمية والبعض الآخر يدعي السلفية...) تنمحي وتضمحل أمام العلاقات العائلية الأخطبوطية التي تميز النخبة.وبهذا المنطق الميكيافلي لممارسة السلطة السياسية(أي أن الغاية تبرر الوسيلة) ، تم تغييب الأمازيغ في مراكز القرار بالمغرب ، لأنهم بكل بساطة قاوموا المستعمر ورفضوا سياساته الاستغلالية، والآن هم عرضة للتهميش و الإقصاء والإبادة الجماعية، وسيظل هدا الواقع إلى أن يتوحد الأمازيغ في جبهة واحدة لإزالة الاضطهاد وتحقيق الذات،
الهوامش:
(1) للتوضيح أكثر في هذا الصدد انظر:"الظهير البربري اكبر أكذوبة سياسية في تاريخ المغرب المعاصر" لمحمد منيب
(2) شعار "السلفية الجديدة" يحمل تناقضات في ذاته، فالسلفية تعني العودة إلى السلف و تقليده، الجديدة أي لم تكن من قبل أو حديثة =سلفية حديثة
(3) استمرار العلاقة بين شكيب ارسلان و الحركة اللاوطنية و المتمثل في "الرسائل المتبادلة بين شكيب ارسلان و عبد السلام بنونة" للإشارة فهو احد مؤسسي القومية العربية في لبنان
مميزات النخبة: موريس دوفيرجيه في كتاب "علم اجتماع السياسة""(4)
(5) جون واتربوري في كتاب "الملكية والنخبة السياسية المغربية" ص 110
( (6) للتوضيح أكثر بخصوص العلاقات العائلية الأخطبوطية انظر المرجع السابق (5
العابد محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق