الجمعة، 16 أبريل 2010

بحلول 19 أبريل 2010، تكون قد مرت 29 سنة على الاختفاء المفاجئ للمفكر الجامعي الأمازيغي بوجمعة هباز.+مقدمة أطروحة الدكتوراه للمناضل المختطف بوجمعة

هذا الأخيرالذي لم يظهر له أثر منذ 1981. وبالرغم من ورود اسمه ضمن لوائح ” المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان” الخاصة بالمختطفين المجهولي المصير، فإن ” هيأة الإنصاف والمصالحة” - التي رأسها الراحل إدريس بنزكري- أنهت أشغالها وقدمت تقريرها النهائي للسلطات العليا في 07 يناير 2004 دون فك خيوط الكثير من الملفات الحقوقية الخاصة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومن ضمنها قضية بوجمعة هباز التي بقيت معلقة حتى إشعار آخر.
من يكون إذن بوجمعة هباز؟ ما هو الخطر الذي كانت الأجهزة الأمنية تعتقد أنه يشكله على النظام؟ ماذا عن الملابسات والظروف التي اختفى أو بالأحرى اختطف فيها بوجمعة هباز؟ ما هي التطورات والمستجدات التي عرفها ملف الكشف عن مصيره؟ أين الحقيقة في كل ذلك ؟
سيرة حياة
يتحدر بوجمعة هباز من منطقة ورزازات حيث ازداد في قرية بوتازولت القريبة من منجم إيميني سنة 1943. تابع تعليمه في مرحلته الإبتدائية ببلدته وفي مرحلته الثانوية بثانوية محمد الخامس بمراكش، قبل أن يلتحق بمدرسة تكوين المعلمين بذات المدينة سنة 1961 والتي تخرج منها كمعلم للغة الفرنسية ليتم تعيينه بمنطقة إيمي ن تانوت. كان من ضمن زملائه في مركز التكوين كل من: المرحوم علي صدقي أزايكو ( أستاذ التاريخ والعضو السابق بالمجلس الإداري للمعهد الأمازيغي)، أحمد التوفيق ( وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حاليا)، عبد الله بونفور ( أستاذ اللسانيات بالمعهد الوطني للغات والثقافات الشرقية بباريس والأستاذ السابق بالمعهد المولوي)، عبد الغني أبو العزم ( العضو سابقا بحركة إلى الأمام والقيادي السابق بكل من منظمة العمل والحزب الاشتراكي الديمقراطي)، عبد الفاضل الغوالي ( المفتش الممتاز بوزارة التربية الوطنية) فيما كانت إدارة المدرسة موكولة للأستاذ عبد السلام ياسين (مؤسس وشيخ جماعة العدل والإحسان المحظورة).
في سنة 1965، التحق بوجمعة هباز بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث حصل على شهادة الإجازة في اللغة الفرنسية والتي خولت له الاشتغال بثانوية مولاي يوسف بالرباط. بعد ذلك استفاد سنة 1973 من منحة دراسية بجامعة السوربون الفرنسية ضمن المنح المخصصة للبعثات العلمية المغربية قصد إعداد بحوث ودراسات أكاديمية في مجال اللسانيات. وتحت إشراف الباحثة الفرنسية دونيز فرانسوا، قام بإنجاز أطروحة لنيل دكتوراه السلك الثالث في إطار وحدة الدراسة والبحث في اللسانيات العامة والتطبيقية سنة 1979 في موضوع: ” مقولة الجهة في الأمازيغية تاشلحيت المغرب، منطقة إيميني (مراكش- ورزازات)”.
نضال ثقافي والتزام سياسي
فور انتهاء رحلته الدراسية لباريس، عاد بوجمعة هباز إلى كلية الاداب بالرباط تنفيذا لعقد العمل الذي يربطه وإياها. غير أن الأستاذ سعيد باجي يشير في كتابه “مختطف بدون عنوان” (2006) إلى أن هناك ” تضارب للشهادات حول ما إذا اشتغل موسم 1980-1981 أستاذا محاضرا في اللسانيات”. في حين أن الأستاذ إبراهيم أخياط يورد في كتابه “رجالات العمل الأمازيغي” (2004) أنه ” بعد رجوعه من فرنسا بدأ في ترتيب أموره ليعمل كموظف في إحدى المؤسسات اللغوية بالرباط باعتباره متخصصا في اللسانيات في انتظار أن يتمكن من الحصول على كرسي جامعي، ولم تمض على هذه الوضعية أيام وقبل أن يلتحق بعمله حتى أتى خبر فقدانه”. غير أن ما هو مؤكد -وحسب ما هو متوفر من وثائق شخصية لدى العائلة- هو أن بوجمعة هباز قام بتجديد بطاقة تعريفه الوطنية بتاريخ 25 يوليوز 1980 وتحمل مهنة أستاذ محاضر بعد أن عين بهذه الصفة في 21 يناير 1980 من قبل وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر.
أسهم بوجمعة هباز في تأسيس قيدومة الجمعيات الأمازيغية وهي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سنة 1967 مشاركا في تأطير الكثير من أنشطتها الإشعاعية في سلسلة من المدن المغربية: الرباط، مراكش، القنيطرة…وأشرف على إعداد المائدة المستديرة الخاصة باللغة في إطار الدورة الأولى للجامعة الصيفية بأكادير المنعقدة في غشت 1980. وبسبب ظروف معينة، فإنه لم يتمكن من المشاركة في هذه الدورة العلمية بالبحث الذي اختار له موضوع: “المقاربة النقدية للأشرطة المصورة الموجهة لشباب العالم الثالث”.
ويحكي عنه الأستاذ إبراهيم أخياط قائلا: ” كان بوجمعة الهباز المناضل المفقود ضمن المجموعة التي تتكون من علي صدقي أزايكو وأحمد بوكوس والفاضل الغوالي وأحمد أكواو وعلي الجاوي وعبد الله بونفور وهؤلاء جميعهم كانوا طلبة بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط التحقوا بنا نحن أخياط إبراهيم وعبد الله الجشتيمي وعلي بنور وعمر الخلفاوي حيث كنا نمارس محاربة الأمية سنة 1965 في صفوف التجار الصغار والعمال انذاك وأسسنا فيما بعد المغربية للبحث والتبادل الثقافي وكان بوجمعة الهباز ضمن المكتب المؤسس للجمعية”. ( كتاب رجالات العمل الأمازيغي، ص:33).
فضلا عن رسالته الجامعية المشار إليها، نشر بوجمعة هباز عددا من الدراسات المتخصصة في مجال اللسانيات بمجلة Traces التي أصدرها صديقه عبد الله بونفور نهاية السبعينات، من المحتمل كذلك أن تكون قد نشرت له كتابات في كل من مجلات ودوريات: أراتن، التبادل الثقافي، المناضل، أنفاس.
مضمون تحرري
بالاطلاع على أطروحة هباز، يمكن ببساطة تلمس الحمولة السياسية لها، فخلالها ابتكر مفهوم “الثلث الأسطوري” حيث يرى أن:” العالم الثالث تسمية خاطئة لما يسمى دول عدم الانحياز، لهذا نفضل كلمة “الثلث الأسطوري” لأن العالم الثالث لا وجود له في الواقع، وقد جعلوا منه أسطورة حقيقية: يدعي حكام دول عدم الانحياز أنهم يتبعون حلا ثالثا، ليس رأسماليا ولا شيوعيا. في حين أن هذا الحل لم يرد تاريخيا في القرن 20: لا خيار لدول عدم الانحياز سوى حل واحد: إما اتباع الاشتراكية مع تكييفها مع الوضعيات الخاصة والتخلي عن الرأسمالية، وبالتالي اتباع الحل الثالث (لا رأسمالية ولا شيوعية) يعني خلق أسطورة تخفي الصراع بين الرأسمالية والشيوعية في بلدان “الثلث الأسطوري” والذي هو قدر هذه البلدان” (مقدمة الأطروحة).
من جهة أولى، أسس هباز لأفكاره التقدمية سواء بالنسبة للمضمون التحرري لرسالته أو لباقي كتاباته عبر كتابات اعتبرت محرمة في ذلك الزمان لا سيما التي تخص: لينين، ماركس، ألبير كامي، فرانز فانون…بنفس القدر الذي بنى فيه بحثه على خلفيات ثقافية واجتماعية وإيديولوجية وبنيوية فوقية.
ومن جهة ثانية، دخل في جدل علمي مع ثلة من المستمزغين الفرنسيين Les berbèrisants خصوصا أولئك الذي اشتغلوا مع إدارة الحماية الفرنسية، ولا سيما أندريه باصي حين قال أن ” الأمازيغية لم تنتج قط لغة حضارة”Le berbère n’a jamais fourni une langue de civilisation.
وشكلت أطروحته- بتضمنها للكثير من الحقائق التاريخية والسوسيولوجية المثيرة، وتناولها للجانب الشائك في الأمازيغية، ودحضه لأراء المستمزغين الفرنسيين خاصة العسكريين منهم العاملين في إدارة الحماية- بيانا سياسيا عاما حتى قيل أن الرجل بصدد الإعداد لثورة ثقافية بالمغرب، وبصدد الإساءة لتاريخ العلاقات المغربية الفرنسية.
اختطاف وشاهد
منذ أبريل 1981، لم يظهر أثر لبوجمعة هباز. صديقه عبد الرحيم المهتدي ( صحفي بالتلفزة المغربية طرد من عمله لعلاقته بالهباز) كان آخر من رآه. وهو يروي في تقرير مفصل رفعه إلى هيئة الإنصاف والمصالحة تفاصيل اختطاف المعني من قبل المخابرات المغربية من شقته بحي أكدال الراقي. كما أن الممرضين العاملين بمستشفى ابن سينا بالرباط سبق له في إحدى شهاداتها أن أفاد بأن بوجمعة هباز سبق له أن جيء به إلى نفس المستشفى وهو مكسور العظام ومطلى بالدماء.
فهل سيتحرك المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لكشف مصير بوجمعة هباز وغيره من المختطفين المجهولي المصير؟
أفكار الفقيد بوجمعة هباز في سطور
* النهضة بالنسبة للمستعمرين وثقافتهم تعني لنا تدمير المستعمرات بالأسلحة وباستغلال الشعوب المستعمرة وثرواتها وأراضيها.
* اللغة ليست فقط وسيلة للتواصل، إنها كذلك وسيلة لأدلجة الطبقات والشعوب والإثنيات والأمة.
* اللغة تصلح للهيمنة الإيديولوجية من أجل استغلال الإنسان للإنسان، كما تصلح للتحرر الإيديولوجي من أجل ألا يستغل الإنسان إنسان اخر.
* على الباحث المحلي أن يتحمل مسؤولية وواجب إعادة التفكير في النظريات اللسانية وإزاحتها عن المركز وقلب هذه النظريات وخلفياتها الإيديولوجية الموروثة من النحويين الاستعماريين ومعالجة اختلافه في اتجاه النضال من أجل التحرر الوطني الثقافي والإيديولوجي للجماهير الشعبية.
* تعد معرفة لغة المستعمر من بين الأسلحة الناجعة التي يستعملها المستعمر: معرفة لغة الاخر تعني امتلاكه ثم مثاقفته ونكران لغته وفرض لغة أخرى له، وهذه الظاهرة اللغوية تسمى الابتلاع.
مقدمة أطروحة الدكتوراه للمناضل المختطف بوجمعة الهباز
مقدمة
لقد تعرضت دول الهامش (العالم الثالث أو'' الثلث الأسطوري '' 1'' مثل أميريكا اللاتينية- الجنوبية - ، إفريقيا ، أسيا، للاستعمار الأوربي منذ ما يسمى '' النهضة" ( وهذه خديعة أخرى '' النهضة '' بالنسبة للمستعمرين وثقافتهم تعني لنا تدمير المستعمرات بالأسلحة و باستغلال الشعوب المستعمرة و ثرواتهم و أراضيها ). وتعمم تدريجيا الصراع الطبقي ليشمل المركز ( الغرب) وتنتج عنه نزعات امبريالية فيما بينها ونزاعات استعمارية و حول تقسيم ونهب بلدان العالم الثالث "2'' وإلى " الحروب العالمية " ( في الحقيقة إنها حروب بين امبريالية المركز- الغرب الأوربي- '' 3" . والهدف من هذا
هو الحديث عن دواعي بحثنا : إن يتأسس على خلفيات ثقافية اجتماعية ، اديولوجية وبنيوية فوقية . لقد انكب المستعمرون و الإمبرياليون على مسألة لغات البلدان المستعمرة، وهو ما لم يحدث إلا في القرنين 19و20 . و كانت للمستعمر مصلحة في معرفة عادات البلدان المستعمرة من أجل تكييف أحسن لترسانته الإدارية الاستعمارية مع الوضعيات الاستعمارية . وتعد معرفة لغة المستعمر من بين الأسلحة الناجعة التي يستعملها المستعمر : معرفة لغة الآخر يعني امتلاكه ، ثم مثاقفته ونكران لغته وفرض لغة أخرى عليه . وهذه الظاهرة اللغوية تسمى'' الابتلاع " . فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بلغات إفريقيا '' الفرنسية " ، وجه'' كلوزيل'' بتاريخ 15 يناير1909 ، إلى إدارته و إلى حكامه بالدوائر ، دورية مرفقة بلائحة للقضايا التي يجب معالجتها أثناء إنجاز الأبحاث المخصصة لكل دائرة . ونورد هنا الطريقة التي حرر بها الجزء الثامن من الاستقصاء: { اللغات، اللهجات المتداولة، عدد الأشخاص الناطقين بكل لهجة، أي أن كلمة اللغة لم تستعمل إلا في معناها العام، بمعنى أن الأهالي لا يمكن أن يتكلموا سوى لهجات " 4"
وهذه الدراسات بالنسبة لنا نحن( المستمزغين ومستشرقي الاستعمار) لا تعدوا أن تكون إلا إرثا ، وتتجلى مهمتنا في الإحاطة بمجالات المناطق اللغوية التي ثم وصفها في هذه الأعمال و أبراز إيديولوجيا الواصف الاستعماري وكذا أخذ ما هو إيجابي فيها و الاستغناء عما هو خاطئ وسلبي فيها . وهذا على مستوى اللسانيات الداخلية { دروس في اللسانيات العامة لدسوسير} ذات الوظيفة المعرفية و اللسانيات الخارجية ذات الوظيفة الاجتماعية { التي استبعدها دسوسير} والتي رغم ذلك تقبلها مختلف التيارات التي تعتبر أن اللغة و البحث اللساني و '' الميتا لغة المهيمنة" على هذه الأبحاث تشكل ظاهرة اجتماعية ( مدرسة باريس السوسيولسانية، السوسيولسانيات الضمنية و الظاهرية عند ليبوف '' 5''
و فولوشينوف'' 6"، الخ ..."7" . ومن جهتنا نتساءل هل يجب ان يكون البحث اللساني ذا صبغة معرفية أم اجتماعية في آن واحد ، لأن "وظيفة الإيديولوجيا هي قبل كل شئ وظيفة اجتماعية ، وجدت للدفاع عن طبقة ( الطبقة الحاكمة، للإديولوجيا المهيمنة )
أو عن مجموعة معينة ، في حين أن العلم الخالص{ إن كان موجودا } ، له وظيفة معرفية قبل كل شئ . أما اللسانيات في علاقتها بهذه الثنائية فهي تتموقع في وضعية خاطئة : وظيفتها اجتماعية أكثر مما هي معرفية . ( 8 ). ومن جهتنا نعتقد أن الوظيفة الاجتماعية للسانيات تغلب على وظيفتها المعرفية ، و الدليل على هذا ،هو أن لكل نمط إنتاج اجتماعي في مجتمع ما تعكسه ميتالغة معينة خاصة ، سواء في اللسانيات أو في باقي العلوم الإنسانية الأخرى، مما يبرر المراحل التي قطعتها اللسانيات منذ " أرسطو" مرورا بنحو مدرسة "بول روايال " فنحو "السوسيري"
وصولا إلى مختلف المدارس اللسانية الحديثة. كل مدرسة تدافع عن إيديولوجية معينة : فالفطرة اللغوية مثلا لدى" تشومسكي " {المستوى الدلالي يحدد الكليات ، ويتضمن البنية العميقة المتواجدة في دماغ كل الإنسان } ، أما موقف" أندري مارتيني" فهو وسطي ، حيث يرى أنه يصعب إقامة علاقة سببية بين التنظيم الاجتماعي لمجتمع ما و التغيرات التي تطرأ على مستوى البنية اللغوية ( ينظر مبادئ في اللسانيات العامة) " ومهما يكن من أمر، فثمة حالات مهما حاولنا معها معالجتها فإن القوانين الداخلية تبقى قاصرة . إن الأمر لا يتعلق بتصنيف لمتن يساعدنا في تفسير الكل انطلاقا من أي شئ ( 9 ) . وفي نظرنا اللغة ظاهرة اجتماعية يتداخل فيها الاجتماعي و المعرفي .
في الواقع، لم يقم مستمزغوا الإستعمار علاقة مباشرة واضحة و صريحة بين آمالهم اللسانية و الإدارة الاستعمارية المدنية و العسكرية التابعة للدول التي تمولهم ، كما أنهم لم يدرسوا أبدا خلفية مشاريعهم ، ولم يربطوا بين هذه الأخيرة و الناطقين المستعمرين ، لكننا نعرف اليوم أن أغلب هؤلاء النحويين شغلوا مناصب عسكرية كضباط (10) { مترجمين} و ملازمين و كولونيلات ، و أن جزءا منهم كانوا مبشرين مسيحيين ، أما الفئة الثالثة ، فقد سميناها إنسيين ( بالنسبة لهم "التحضير " لا يعني المثاقفة، بل إخراج الطبقات الشعبية من فقرهم بإدخالهم إلى زمن التقنية و التقدم ) . وفي الواقع فإن الوظيفة الاجتماعية للنحو الذي يضطلع بها الضابط و المبشر هي نفسها في كلتا الحالتين:
التقرب من ثقافتهم و إعدادهم لولوج الحضارة الغربية . وفي مقابل ذلك ، ترمى ثقافة و لغة هذه الفئات في المتاحف و تمحى من الوجود . إنها ظاهرة "الابتلاع " التي استفاض في وصفها " ج، ل، كالفي" في حمله الممتاز ث" اللسانيات و الاستعمار" هكذا كان " أ، دولورم " يتصور الوظيفتين الاجتماعية و المعرفية لتنشئة الأهالي المستعمرين : " إن التنشئة توفر لنا وسيلة ناجعة لإضعاف ، في آن واحد، تأثير الأولياء و الفقهاء ، بائعي التمائم ، و مشعوذين معارضين دائما لتوجهات فرنسا(11) . إننا لسنا في حاجة إلى التوضيح بأن الأولياء ( المرابطين) و الفقهاء(الطلبا) المالكين للسلطة الدينية كانوا دائما عبر التاريخ ( ينظر عبد الله العروي، تاريخ المغرب، ماسبيرو، الجزء 1و2 الذين عالجوا بما فيه الكفاية ظاهرة الأولياء و الزوايا و دورها السياسي عبر تاريخ شمال إفريقيا ) يعبؤون الجماهير ، خاصة الفلاحين ، باسم الإسلام الحقيقي سواء ضد الغزاة الأجانب، أو ضد دولة منحطة و أرستوقراطية تثقل كاهل الطبقات الشعبية بالضرائب و الأشغال الوضعية . ثم إن المرابطين و الفقهاء بدورهم لهم تصورهم للغة العربية و للثقافة العربية الغسلامية التي تؤدي كذلك وظيفة احتماعية ، وليس فقط وظيفة معرفية . أما " دولورم " فله تصور عرقي اتجاه هؤلاء الأبطال و الزعماء التاريخيين و الروحيين لجماهير الفلاحين. وهذا الميز العنصري هو الذي سنتحدث عنه في هذا المقام.
ولهذا السبب ( الوظيفة الاجتماعية للأعمال اللسانية التي أنجزها المستمزغون أو المستعربون الإستعماريون ) كان من واجبنا أن نرفض الايديولوجيا الاستعمارية التي تشوب أحيانا هذه الأعمال والتي تنعكس عن اللسانيات الاستعمارية :" مشروع تنشئة" فرنسا الاستعمارية في افريقيا و الذي انعكس كذلك على تنميط اللغات . و باختصار ، نريد هنا أن نزيح اللثام عن قيم الايديولوجيا الاستعمارية التي تبناها المستعمر و المستعمر ، سنقوم بترتيب وفق النظام الكرونولوجي ، قيم الايديولوجيا الاستعمارية و الاستيلاب التي مارسوها ضد المستعمر الذي يوجد في وضعية دونية لقيمه.
بوجمعة الهباز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق