مرت أزيد من تسعة قرون على عبور أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، فاتحا وضاما إياها إلى حدود إمبراطوريته المرابطية. وها هو اليوم الوزير الأول عباس الفاسي يعبر إلى نفس الضفة الشمالية لحضور القمة الأولى بين المغرب والاتحاد الأوربي بغرناطة، لكن شتان بين عبور وعبور. فإذا كان عبور بن تاشفين كان بهدف ضم الأندلس إلى أرض المغرب، فاليوم كان عبور الفاسي بهدف تعزيز انضمام ارض المغرب إلى الاتحاد الذي ترأسه الأندلس. إنه التاريخ يعيد نفسه، لكن بالمقلوب هذه المرة.
فعلا إنه إعادة بالمقلوب، فإذا وجد بن تاشفين آلاف المواطنين الأندلسيين في استقباله، مسلمين ومسيحيين، مستنجدين به من ظلم ملوك أوروبا. فقد وجد الفاسي في انتظاره عشرات المنظمات والهيئات الحقوقية المعارضة تندد بسياسة حكومته، مستنجدة منها بحكام أوروبا ومؤسساتها. فما الذي حصل لتنعكس الآية إلى هذه الدرجة الكبيرة؟
إن الجواب عن هذا السؤال لن يكون ذا قيمة مضافة، فببساطة يمكن أن نفهم السبب بمجرد تصفحنا لأي جريدة أو أي موقع الكتروني يحترم مبادئه وقيمه، لنصدم بحجم الخروقات الحقوقية المسجلة وبعدد حالات الفساد والارتشاء المتزايدة وبرتبنا العالمية المتدنية في كل الإحصاءات والدراسات التي يمكن أن تخطر لك على بال، وبتراجع حجم الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطنين وبالأعداد المتزايدة للشباب المعطلين الذين يسلمون أنفسهم رخيصة لقوارب الموت، الذين وقف الناجون منهم في مظاهرات مؤيدة لبلادهم، رافضين لأي مساس بوحدته الترابية رغم أنهم تمنوا أن يستقبلوا أحدا آخر غير الفاسي.
لكن السؤال المهم في نظري يكمن في معرفة الأشياء التي تنقصنا لكي نصبح بلدا تشد إليه الرحال؟ بلدا يضرب به المثل في كل شيء حسن؟ بلدا يحسب له ألف حساب بين الدول الوازنة وفي المنظمات الأممية والقارية والإقليمية؟ بلدا يسير مكملا لانجازات أجداده وملوكه؟
لقد غدت بلادنا منامة لا غير، كفندق كبير أو كمحطة لاستراحة المسافرين. إننا منغلقون على بعضنا البعض، غايتنا واحدة متعددة الوسائل، الكل يترقب ويتحين الفرصة ليصبح ثريا. الاعتزاز بالوطن وبالهوية شبه غائبين. لم نعد ننفتح على بعضنا البعض، أجسادنا متقاربة لكن أعناقنا مشدودة إلى اتجاهات مختلفة. الاقتصاديون يترقبون بشغف شديد مسار المفاوضات التجارية مع الاتحادات الاقتصادية العالمية. أصحاب الملايير فتحوا لأنفسهم حسابات سرية ببنوك سويسرا مستعدين للهرب في يوم من الأيام. الأمازيغ يتراقصون بين الرباط وتل أبيب. الفتيات يترقبن أية فرصة للذهاب إلى الخليج أو للظفر بعريس أشقر تعلمه أولى دروس الكذب أمام القاضي. الإسلاميون عيونهم ترمش في اتجاه المشرق. الشباب ربط مستقبله بالعيش في ميلانو وبروكسيل. العمال والعاطلون يملئون كل عام استمارة القرعة إلى أمريكا. الطلبة يحلمون بإكمال دراستهم في مكان آخر غير المغرب. القرويون يؤجلون في كل مرة موعد نزوحهم إلى المدينة لكسب العيش. التلاميذ يتسكعون في أزقتنا بملابس وستيل عصابات أمريكا. الشواذ الذين تتزايد أعدادهم بشكل مهول يربطون علاقاتهم الأخوية مع غيرهم في أوربا وأمريكا. أصبحنا نعيش في منازلنا مع سكوفيلد وجاك بوور وديكابريو ونور وفايديهي وآنا وماركاريتا واللائحة طويلة. يحدث هذا في الوقت الذي تتبول فيه الكلاب الضالة على قبر يوسف بن تاشفين في انعدام منا لأي اهتمام بتاريخنا وبصانعي أمجاد بلاد مراكش!
بل أكثر من هذا، فغالبا ما تجد الحوار منعدما حتى داخل الأسرة الواحدة، لا تنفتح على بعضها البعض، الأب يساري طرازه قديم، يسهر مع رفاقه إلى الفجر. الابن الأكبر مع إحدى المنظمات الإسلامية دائم الصراع مع أخيه الأوسط المنتمي لمنظمة إسلامية أخرى. الابن الأصغر شبابي عاشق للتيكتونيك، تصل اتصالاته الالكترونية إلى ما وراء البحار، لا يكلمه أحد، فهو عندهم من الفساق. البنت متحجبة بالوراثة، لها مائة حبيب وحبيب. الأم سئمت من لعب دور حكم مباراة الملاكمة حين يبدأ حوار الديكة بين الإخوة الأشقاء.
إنه ما لم نكتشف بعضنا البعض، وما لم ننفتح على ذواتنا ونترك العيش في جزر أطماعنا، ونذوب في هويتنا محافظين على خصوصيتنا الثقافية بعيدا عن أي استلاب وتقليد، وما لم نشعر بعدم امتياز عرق عن آخر وتفوق لغة على أخرى متخذين قراراتنا بكل ديمقراطية وعدالة، فإننا سنضل أمة لا تعرف ماذا تريد، أمة تحس بأنها فقدت شيئا ما لكن لا تدري ما يكون، أمة ستضحك من جهلها أمم كانت بالأمس القريب تدور حول فلكها.
علينا أن نحس بعظم ما يجمعنا، أحزابا وهيئات ومنظمات، وأن نرفض الذوبان في خصوصيات الآخر مشرقيا كان أم غربيا، وأن نعيد ترتيب بيتنا المغربي بما يحفظ هويتنا الإسلامية ومذهبنا المالكي وإمارة المؤمنين، عسى أن يكون عبورنا القادم للضفة الأخرى عبورا مشرفا ومفرشا بورود الأندلس.
ختاما نتساءل، إذا كان بن تاشفين عاد إلى المغرب زاهدا في الغنائم تاركا إياها لأهل الأندلس، فهل سينصفنا التاريخ هذه المرة ونعود بشيء ذا منفعة؟ أم أننا سنعود بخفي عباس الفاسي الفارغين كفراغ قلب أم موسى!!
إن الجواب عن هذا السؤال لن يكون ذا قيمة مضافة، فببساطة يمكن أن نفهم السبب بمجرد تصفحنا لأي جريدة أو أي موقع الكتروني يحترم مبادئه وقيمه، لنصدم بحجم الخروقات الحقوقية المسجلة وبعدد حالات الفساد والارتشاء المتزايدة وبرتبنا العالمية المتدنية في كل الإحصاءات والدراسات التي يمكن أن تخطر لك على بال، وبتراجع حجم الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطنين وبالأعداد المتزايدة للشباب المعطلين الذين يسلمون أنفسهم رخيصة لقوارب الموت، الذين وقف الناجون منهم في مظاهرات مؤيدة لبلادهم، رافضين لأي مساس بوحدته الترابية رغم أنهم تمنوا أن يستقبلوا أحدا آخر غير الفاسي.
لكن السؤال المهم في نظري يكمن في معرفة الأشياء التي تنقصنا لكي نصبح بلدا تشد إليه الرحال؟ بلدا يضرب به المثل في كل شيء حسن؟ بلدا يحسب له ألف حساب بين الدول الوازنة وفي المنظمات الأممية والقارية والإقليمية؟ بلدا يسير مكملا لانجازات أجداده وملوكه؟
لقد غدت بلادنا منامة لا غير، كفندق كبير أو كمحطة لاستراحة المسافرين. إننا منغلقون على بعضنا البعض، غايتنا واحدة متعددة الوسائل، الكل يترقب ويتحين الفرصة ليصبح ثريا. الاعتزاز بالوطن وبالهوية شبه غائبين. لم نعد ننفتح على بعضنا البعض، أجسادنا متقاربة لكن أعناقنا مشدودة إلى اتجاهات مختلفة. الاقتصاديون يترقبون بشغف شديد مسار المفاوضات التجارية مع الاتحادات الاقتصادية العالمية. أصحاب الملايير فتحوا لأنفسهم حسابات سرية ببنوك سويسرا مستعدين للهرب في يوم من الأيام. الأمازيغ يتراقصون بين الرباط وتل أبيب. الفتيات يترقبن أية فرصة للذهاب إلى الخليج أو للظفر بعريس أشقر تعلمه أولى دروس الكذب أمام القاضي. الإسلاميون عيونهم ترمش في اتجاه المشرق. الشباب ربط مستقبله بالعيش في ميلانو وبروكسيل. العمال والعاطلون يملئون كل عام استمارة القرعة إلى أمريكا. الطلبة يحلمون بإكمال دراستهم في مكان آخر غير المغرب. القرويون يؤجلون في كل مرة موعد نزوحهم إلى المدينة لكسب العيش. التلاميذ يتسكعون في أزقتنا بملابس وستيل عصابات أمريكا. الشواذ الذين تتزايد أعدادهم بشكل مهول يربطون علاقاتهم الأخوية مع غيرهم في أوربا وأمريكا. أصبحنا نعيش في منازلنا مع سكوفيلد وجاك بوور وديكابريو ونور وفايديهي وآنا وماركاريتا واللائحة طويلة. يحدث هذا في الوقت الذي تتبول فيه الكلاب الضالة على قبر يوسف بن تاشفين في انعدام منا لأي اهتمام بتاريخنا وبصانعي أمجاد بلاد مراكش!
بل أكثر من هذا، فغالبا ما تجد الحوار منعدما حتى داخل الأسرة الواحدة، لا تنفتح على بعضها البعض، الأب يساري طرازه قديم، يسهر مع رفاقه إلى الفجر. الابن الأكبر مع إحدى المنظمات الإسلامية دائم الصراع مع أخيه الأوسط المنتمي لمنظمة إسلامية أخرى. الابن الأصغر شبابي عاشق للتيكتونيك، تصل اتصالاته الالكترونية إلى ما وراء البحار، لا يكلمه أحد، فهو عندهم من الفساق. البنت متحجبة بالوراثة، لها مائة حبيب وحبيب. الأم سئمت من لعب دور حكم مباراة الملاكمة حين يبدأ حوار الديكة بين الإخوة الأشقاء.
إنه ما لم نكتشف بعضنا البعض، وما لم ننفتح على ذواتنا ونترك العيش في جزر أطماعنا، ونذوب في هويتنا محافظين على خصوصيتنا الثقافية بعيدا عن أي استلاب وتقليد، وما لم نشعر بعدم امتياز عرق عن آخر وتفوق لغة على أخرى متخذين قراراتنا بكل ديمقراطية وعدالة، فإننا سنضل أمة لا تعرف ماذا تريد، أمة تحس بأنها فقدت شيئا ما لكن لا تدري ما يكون، أمة ستضحك من جهلها أمم كانت بالأمس القريب تدور حول فلكها.
علينا أن نحس بعظم ما يجمعنا، أحزابا وهيئات ومنظمات، وأن نرفض الذوبان في خصوصيات الآخر مشرقيا كان أم غربيا، وأن نعيد ترتيب بيتنا المغربي بما يحفظ هويتنا الإسلامية ومذهبنا المالكي وإمارة المؤمنين، عسى أن يكون عبورنا القادم للضفة الأخرى عبورا مشرفا ومفرشا بورود الأندلس.
ختاما نتساءل، إذا كان بن تاشفين عاد إلى المغرب زاهدا في الغنائم تاركا إياها لأهل الأندلس، فهل سينصفنا التاريخ هذه المرة ونعود بشيء ذا منفعة؟ أم أننا سنعود بخفي عباس الفاسي الفارغين كفراغ قلب أم موسى!!
إبراهيم المرابط – نبراس الشبابelmourabet.b@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق