الجزء الأول من موضوع :
علي لهروشي
alilahrouchi@hotmail.com
عندما يجب أن نتكلم عن التاريخ المغربي القريب، بدءا من مطلع القرن العشرين المعروف بعهد الحماية ، فإنه يتوجب علينا إبعاد مصطلح الاستعمار ، لأن هذا المصطلح يخفي في الحقيقة جرائم القبيلة العلوية التي اقترفتها في حق المغرب و المغاربة ، ويظهرها كأنها فعلا استُعمرت وتستحق الدفاع ، و المساندة و المؤازرة ، و بالتالي فكلمة الحماية و الاستعمار كلمتين منفصلتين ، وذات دلالات سياسية جد متناقضة ، حتى و إن كانت ممارساتهما القمعية ضد الشعب نفسها واحدة ، إلا أن استعمال كلمة الاستعمار قد يبين لقارئ تاريخ المغرب و كأن القبيلة العلوية وعلى رأسها المجرم السلطان مجرد ضحية ، بينما العكس هو الحاصل ، حيث أن الحماية تظهر عكس ذلك وتفضح جرائم هذه القبيلة العلوية المسلطة على المغرب ، فلا يجب أن نكذب على الأجيال الصاعدة ونحن نقول لهم بأن المغرب كان تحت الاستعمار بما يحمله هذا المصطلح من قوة ، وعنف ، وغزو وفتوحات كما حصل للمغرب في السابق مع الإسلاميين العرب المتوافدين عليه من المشرق العربي تحت شعار الفتوحات الإسلامية .
الحماية لها أسباب ودوافع من ضمنها تحرك بعض القبائل الأمازيغية ضد القبيلة العلوية بالمغرب ، وضد السلطان الغارق في اللهو و الزهو والسهر و المرح ، وقد أغرق بذلك المغرب و المغاربة بالديون للترفيه على نفسه ، وعلى خدامه وعبيده وعملاءه ، و كل من يدور بحاشيته ، كما أن هناك سبب أخر هو رغبة الدول الدائنة للقبيلة العلوية أن تضمن استعادة ديونها من المغرب ، وبما أن الاستقرار بالمغرب غير مضمون بفضل تحرك القبائل ، بسبب تقسيم القبيلة العلوية للمغرب إلى مناطق تسمى ب " بلاد السيبة " ومناطق تسمى ب " بلاد المخزن " وفي الواقع فبلاد السيبة يُقصد بها المناطق التي اندلعت فيها شرارة الانتفاضة الشعبية ضد القبيلة العلوية ، وقد سميت بمناطق السيبة لنعتها قدحا ، واعتبارها خارج القانون الذي سطرته القبيلة العلوية لحماية نفسها ، وهي نفس التهم التي توجه دائما للثوار بمختلف مناطق العالم من قبل القوة المسيطرة على الحكم ، أو ما يسمى بالحكم المركزي ، و إن اختلفت الأسماء و التسميات ، فمثلا اسبانيا ، و انجلترا ، وفرنسا ، و أمريكا ، و كولومبيا وآخرون ممن توجد لديهم منظمات وحركات ثورية رافضة للحكم المركزي ، نفسها تطلق تسميات منحطة للمس بالأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها هؤلاء الثوار ، من المنتمين لتلك لحركات الثورية التحررية. كمنظمة " أيرا" او " أيتا" أو ثوار الجزيرة الفرنسية "كورسيكا " أو الجيش الماركسي " لفارك" كلها في الواقع منظمات ثورية ضد الحكم المركزي، فنفس الشيء كان يجرى بالمغرب ، حيث تخشى القبيلة العلوية المسيطرة على الحكم المركزي أن يحدث ما لا تتمناه ، إذ أنه في أي وقت قد يتم القضاء عليها من قبل القبائل الثائرة ضدها ، وإزالتها من الحكم ، تلك القبائل الأمازيغية الثائرة ، التي وصفتها آنذاك القبيلة العلوية بمواصفات السيبة وغيرها ، فما أشبه اليوم بالبارحة.. إنه الماضي يستمر في الحاضر حيث يُوصف الآن كل رافض لاستمرار حكم القبيلة العلوية بالمغرب على أنه إرهابي ، وذلك لإضفاء الشرعية على قمعه وسجنه ، وبتر لسانه .
بما أن القبيلة العلوية هي المسئولة سياسيا عن ضمان استرجاع تلك الديون للدول الدائنة لها مثل فرنسا و اسبانيا وانجلترا ، وبما أنه كان من الضروري استرجاع تلك الديون نقدا أو عبر السماح لتلك القوى باستعمال و استنزاف الخيرات و الثروات المغربية ، فإن ذلك لن يتحقق لها بالطبع سوى ببقاء القبيلة العلوية على الحكم بالمغرب ، بما أنها هي التي وقعت على عقود تلك القروض و الديون ، ومن هنا وجدت تلك الدول حلها في حماية القبيلة العلوية من زوالها في أية لحظة ، باستبدالها لشخص بأخر من نفس القبيلة ، وفي نفس الوقت حماية ديونها ومصالحها بالمغرب، حتى ولو تطلب ذلك قتل وتشريد جميع المغاربة ممن يرفضون منهم فرض أمر الواقع ، وبهذا كانت فكرة الحماية هي الحجر الذي ضربت به تلك الدول عصفورين أو أكثر في آن واحد ، و تمكنت بفعل فكرة الحماية إلى الدخول للمغرب لحماية مصالحها المالية وغيرها ، ثم حماية القبيلة العلوية الموالية لها.
لقد تم توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 م هذه المعاهدة التي رفضها أغلب ممثلي الرأي العام الوطني بالمغرب آنذاك بمن فيهم فصائل كثيرة من قوات السلطان عبد الحفيظ التي ثارت في وجه جنود الحماية الفرنسية بعد التوقيع على ما سمي آنذاك بصك بيع المغرب ، على إثر ذلك حدثت انتفاضات عديدة هزت المناطق الأساسية بالبلاد وقد شكلت آنذاك ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي أهم حدث كاد أن يحرر المغرب ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائما هو: هل كان عبد الكريم الأمير يحمل إيديولوجية أخرى تحررية غير الرجعية العربية الإسلامية ؟ فمن هو إذن ؟ علينا أن ننظر إلى هدفه ، وبرنامجه المستقبلي ليس بمنظور عاطفي ، أو عرقي أو قبلي ، ولكن بمنظور تقدمي تحرري . ما هو الفرق بينه وبين الرجعية التي يتزعمها السلطان المنتسب للقبيلة العلوية ، إذا كان قد نصب نفسه أميرا كذلك ؟ ألم يكن من الحكمة و التبصر أن يتجنب المرء تسمية نفسه ، أو قبول لقب الأمير من الآخرين ، لأن المغاربة سئموا من الأمير و الأمراء ، و السلطان والملك ، فهم في حاجة إلى رئيس يتغير كل خمس سنوات عبر الاقتراع العام للشعب المغربي ، كما يقع بمختلف أرجاء العالم .ثم ما هو شكل الإمارة أو الدولة أو النظام السياسي الذي كان عبد الكريم –الأمير- بين قوسين يريد بنائه ؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج إلى جواب شفاف وواضح بعيدا عن القبلية والتعصب ؟؟
هل لازال البعض يشكك في كون القبيلة العلوية هي التي أدت إلى القضاء على وحدة المغرب ودحر قيمه المعروفة بالبطولة والرجولة و التضحية والإخلاص ، حتى ظل البعض يروج بوعي أو بغير وعي لمخططات القبيلة العلوية بنعته لكل ثائر ضدها بالانفصالي أو بالإرهابي ؟ ما الجدوى من مبايعة الأمير الخطابي بمنطقة معينة بالشمال المغربي في الوقت الذي كان فيه المقاومين من أبناء الشعب بالمناطق الأخرى يحلمون بوطن كامل ، وبمستقبل زاهر للمغاربة جميعا ، بعد القضاء على القبيلة العلوية ، وعلى الحماية ؟ لماذا البيعة بالضبط وليس الانتخاب و الترشيح ؟ أو حتى الاختيار الجماعي أو بالأغلبية ؟ لماذا بالضبط البيعة ، وهو أسلوب متخلف سئم منه المغاربة مع التاريخ الأسود للقبيلة العلوية ؟ حتى صاروا يرددون مقولة " إن كنت أنت أميرا ، وأنا أميرا ، من منا سيسوق كل هذه الحمير " ما موقع البيعة من الاختيار الديمقراطي ؟ ولماذا البيعة بالضبط ؟ ومن له الحق في مبايعة من ؟ وما هي شروط البيعة ؟ وهل يحق لمن يرفض البيعة أن يجهر عاليا بصوته ؟ هل يحترم هذا الصوت حتى لو كان يشكل الأقلية ؟ ألم يفكر الأمير في إيجاد مخرج أخر استشاري تقدمي غير أسلوب البيعة الرجعي ؟ مع العلم أنه قريب إلى أوروبا جغرافيا ، حيث لا تفصل بينه وبين أوروبا المتقدمة سوى كيلومترات محسوبة على رؤوس الأصابع ، لكنه للأسف متعلق عقليا وعاطفيا ، و فكريا و وجدانيا بالشرق العربي المتخلف ، مع العلم أنه بعيد عن المغرب بُعد الشمس عن الأرض ؟ لماذا لا يقتبس المغاربة سوى من العرب كأسوأ أنظمة الحكم في العالم ؟ وهل من المفروض على المغاربة أن يتجردوا من هوياتهم الأمازيغية ليصبحوا عربا مسلمين بالرغم عن أنوفهم ؟ من يضع حدا لهذا الاستلاب الفكري و العقلي و العقائدي ؟ وهيمنة اللغة العربية التي لا يحسن أحد من المغاربة قراءتها أو النطق بها ؟ ألم يكن المغاربة في حاجة ماسة إلى أتاتروك مغربي واضح وشفاف في طرحه السياسي ، الذي يحسم في عودة المغرب إلى أصله الحقيقي ، ليخلص الشمال الإفريقي من اللغة الاستعمارية العربية التي لم تجلب للمغرب و للمغاربة سوى الويلات كالبيعة وغيرها من النُظم ، والأنظمة الرجعية المتخلفة؟ هل سيظل المغاربة مرتبطين ومتعلقين بتاريخ وسخ متعفن لا يشكل أي أساس للنظر من خلاله إلى المستقبل المغربي ؟ متى سيُشفى المغاربة من مرض التعصب للوقوف عن موطن الداء قصد معالجته ، وذلك بالجهر بالمواقف الواضحة استجابة للأسئلة التي يفرضها المستقبل على الجميع : من نحن ؟ وماذا نريد أن نصله بهذا المغرب ؟ ليس العيب أن يكون أجدادنا الأوائل مع أو ضد القبيلة العلوية ، ولكن العيب أن نظل عاجزين نكتفي بتحميل المسؤولية لأجدادنا ، دون أن نعي بأن مستقبل المغرب رهين بالقضاء على تلك القبيلة العلوية ، وتحرير المغرب و المغاربة من يدها الوسخة بدماء أبائنا و أجدادنا ، وأحفادنا...
لقد ساهمت عوامل عدة في بيعة الريفيين للأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي منها تعذر تنفيذ المشاريع الإصلاحية التي تقدم بها الوطنيون، وعجز السلطان عبد الحفيظ عن الالتزام بشروط تلك البيعة المتخلفة ، و تساومه مع الحماية الفرنسية ، وقبوله بالتوقيع على عهدها عام 1912 متنازلا عن الحكم لها ، حيث بحثت عن بديل يحمي وجودها و يضفي نوعا من الشرعية على قراراتها ، و بذلك فكرت في ضرورة الحفاظ على امتداد القبيلة العلوية ، ومساندتها ، للهيمنة على الحكم بالمغرب ، لأن تلك القبيلة هي الضامنة لاستمرار نفس التقاليد المتخلفة للحكم بالمغرب حماية لمصالحها ، فتمت تحت رعايتها البيعة - لمولاهم يوسف -. وأمام هذه الوضعية المقلقة للمغاربة جميعا انطلقت مقاومة في جميع أنحاء المغرب ، إلا أنه سيتم تشتيتها بقوة وعنف ، الشيء الذي سيؤدي ببعض أبناء الريف إلى بيعة محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1921 للقيام بتنظيم القتال ضد الحماية ، لكن لماذا البيعة بالضبط ؟
حسب ما جاء في بعض الكتابات ، فقد رفض الأمير الخطابي ادعاءات الحماية الفرنسية ، وفند دعايتها التي وصفته بمجرد شخص ثائر يرغب في المُلك ، و رجل ناقم يطالب كغيره بالسلطان، بتأكيده أن هدفه الأسمى هو تحرير البلاد من نير التبعية للأجنبي ، وأنه لم يثر أبدا على العرش المغربي الذي ظل أسلافه مخلصين له دائما ، كما أكد حين وصوله إلى بور سعيد بمصر كما يقول علال الفاسي في كتابه " الحركات الاستقلالية في المغرب العربي " أنه - عبد الكريم الخطابي - كان دائم الولاء لجلالة المغرب الأقصى..لم يكتم ما بداخله من أهمية الإمارة التي أسندت إليه ، ذاكرا لهم أنه لم يقبلها إلا امتثالا لأمرهم الذي اجتمعوا عليه ، غير أنه لا بد أن يكون على بال أن إمارته ليست إمارة ملك و إنما هي لإجماع الكلمة " .يضيف علال الفاسي في نفس المرجع السابق ص: 139 " لم يكن تأسيس الجمهورية عدولا عن فكرة الملكية في نظر من قاموا به من زعماء الريف و لكنهم في الحقيقة لم يكونوا يستطيعون الكلام باسم ملك المغرب الذي جعلته ظروفه القهرية في منطقة النفوذ الفرنسي ، ولم يريدوا أن يقعوا في الخطأ الذي وقع فيه الهيبة و والد ماء العينين حينما أعلنا نفسيهما ملكين بعد أن كانا من مخلصي العرش والمدافعين عنه ، ولذلك فقد وجدوا حلا وسطا هو تأسيس نظام مؤقت يمكنهم من تنظيم الإدارة و تدريب الجمهور على العرش ، ولم يطالبوا أكثر من تطبيق نظام دستوري يحقق رغبات الشعب في مراقبة أعمال الدولة ، و التعاون على تسييرها" و في الواقع يجب التشكيك في كل ما جاء على لسان أي مغربي منتمي لحزب الاستقلال نظرا لما ارتكبه هذا الحزب من جرائم في حق المغاربة رغبة منه في حماية ولاستمرار القبيلة العلوية على هيمنتها على الحكم بالمغرب ، ويعتبر علال الفاسي زعيم هؤلاء الخونة ، وبالتالي لا يمكن تصديق أقواله ، ولكن يجب مقارنتها مع أقوال الآخرين من غير الاستقلاليين ، حتى ولو كانوا أجانبا للتأكد من صحة الوقائع بالمغرب ، لأن تاريخه وسخ وملوث يتوجب على كل حر أن يدافع على تنظيفه ، وغسله من أوساخ القبيلة العلوية وأتباعها ...
ظلت بيعة عبد الكريم الخطابي كما يراها البعض مجرد بيعة على تنظيم المقاومة التي ظلت تتجمع وتتفكك حسب الأمكنة والأزمنة ، و بدون إطار تنظيمي موحد ومستقر يتحكم فيها ، مما سهل على الحماية القضاء عليها بالارتكاز على المال لشراء الظمائر و الذمم ، و على العسكر والتدخل باسم السلطان لحماية مشروعيته التقليدية ، وذلك بإسقاط المقاومة ، و التشويه بها في وضعا موضع "السيبة" أو " الخروج عن الدين باسم نقض البيعة.
يقول الكاتب الهولندي من الأصل المغربي – مصطفى أعراب – في كتابه المعنون ب : الريف بين القصر ، جيش التحرير و حزب الاستقلال - في طبعته الأولى 2001 رقم الإيداع القانوني : 1623 -2000 منشورات اختلاف مطبعة فضالة المحمدية " في حوار أجريته في نهاية غشت مع الباحث الأمريكي – دافيد هارت – قال " أن التنظيم القبلي في الريف لم يكن ديمقراطيا كما يحاول البعض أن يوهم بذلك ، بل كان نظاما سياسيا قبليا مبنيا على السلطة الإقطاعية . خلافا لقبائل الأطلس التي كانت تعرف ضربا خاصا من الانتخابات ، لم تكن قبائل الريف تنتخب شيوخها ، كان شيخ القبيلة أو الفخذ يحاول إذا وصل إلى السلطة أن يظل فيها إلى أن يموت ، أما عن علاقة الريف بالحكم المركزي آنذاك فلم تكن علاقة ولاء و تبعية ، أن الريفيين لم يكونوا ضد السلطة المركزية ، لكنهم كانوا يفضلون دائما أن تبقى بعيدة عنهم " والسلطة المركزية فيما ذكره الكاتب هي القبيلة العلوية التي كان حكمها بعيدا عن كل من الريف و الجنوب ، إذ لم يكن لديها ما تقدمه لهذه المناطق الخارجة عن حكمها ، والمسماة أصلا من قبلها بمناطق السيبة ، ليس هناك أية علاقة وطيدة بين سلطة القبيلة العلوية ومناطق السيبة بين قوسين سوى أن تأخذ هذه الأخيرة من تلك المناطق الجبايات فقط . ومن خلال ما ذكره – دافيد هارت – حول منطقة الريف فقد لا يبتعد قوله عن قول – علال الفاسي- فيما سبق ، وبهذا أتساءل : هل يمكن اعتماد عبد الكريم الخطابي في الماضي ، والحاضر و المستقبل كأسلوب ، ومرجعية وتكتيك ، وإستراتيجية لتحريك الشمال المغربي؟ أم أن الأمر يستدعي نقد لحظة الأمير عبد الكريم وتحرير العقول من التشبث بمرحلته ، وتأهيلهم لمستقبل علماني أفضل ، يبتعد فيها الدين عن السياسة ،وتسييس أبناء الشمال المغربي ، وتوجيههم نحو تبني أفكار تقدمية تنبذ القبلية والعصبية و التعصب ، وتجعلهم ثوارا تقدميين لا رجعيين ضد القبيلة العلوية ، خاصة وأن قربهم الجغرافي نحو أوروبا يؤهلهم لقيادة حركات مسلحة لتحرير المغرب ، بتلقيهم دعما مسلحا من اليساريين و الثوار الأسبان ، فمن تستطيع أن يهرب المخدرات فقد يستطيع حتى أن يهرب السلاح ، و المغاربة في الواقع في حاجة ماسة للكفاح المسلح و ليس للمحذرات .
بادر بعض المغاربة يوم 11 يناير 1944م بتقديم وثيقة سميت آنذاك ب " وثيقة الاستقلال" إلى الإقامة العامة الفرنسية و إلى ممثل القبيلة العلوية الملك محمد بن يوسف ، لكن تحالف كل من الحماية الفرنسية و الملك المجرم هذا أدى إلى قمع المطالبين بذلك الاستقلال ، من هناك بدأت تترسخ قناعات جديدة لدى المغاربة بأن السبيل الأساسي و الوحيد لإبعاد الحماية ، و ربيبتها القبيلة العلوية لن يتحقق إلا عن طريق مواجهة العنف بمثله ، وعلى هذا الأساس كان من الضروري التحرك بكل السبل للدفاع عن المغرب وعن المغاربة ، على هذا الأساس انطلقت معركة التحرير في مختلف المناطق ، في ظرفية دقيقة تميزت بتسارع الأحداث وتنامي الوعي الوطني المغاربي بأهمية الكفاح المسلح.
لقد ورد في كتاب لمؤلفه - محمد بن سعيد ايت إيدر- تحت عنوان : صفحات من ملحمة جيش التحرير بالجنوب المغربي ، الطبعة الأولى ، الدار البيضاء يونيو 2001 رقم الإيداع القانوني 2001 0882 الطبع مطبعة - التسيير- " كان أهم حدث اتجهت له الأنظار آنذاك هو استمرار مفاوضات - إكس ليبان- التي انطلقت في شهر غشت من سنة 1955 م ، تلك المفاوضات التي لم تكن مريحة لكل الأطراف الوطنية المغربية ، خاصة أن المفاوض المغربي لم يأخذ بعين الاعتبار جملة من المعطيات " كما يضيف الكاتب " أسفرت عن صدور اتفاقيتي 2 مارس و7 أبريل 1956 وهو ما لم يكن في مستوى الطموحات الشعبية و التوجه نحو الاستقلال الكامل للتراب المغربي ... تلك المفاوضات قد كشفت عن توجهين مختلفين حول بناء المغرب المستقل. فهناك توجه يرى ضرورة بناء دولة ديمقراطية عصرية ، وذات مؤسسات دستورية يقوم بها مجلس تأسيسي منتخب ، بينما التوجه المحافظ و السائد لا يرى التسرع في هذا الشأن و اختار المزاوجة بين الحداثة و المحافظة على التقاليد المخزنية القديمة ، وقد انعكس هذا التناقض حتى داخل الحركة الوطنية التي شهدت خلافات كان لها تأثير على معركة التحرير و استكمال الوحدة الترابية ." ص 11
كما برزت أيضا نتائج تلك المفاوضات فيما عرفته الأوضاع السياسية بالمغرب غداة الاستقلال من تطورات ، دفعت بالجميع إلى محاولة ترتيب أوضاعه و الدخول في منافسات أخذت أحيانا طابعا عنيفا وذهب ضحيتها عدد من المواطنين العاديين ، و البارزين منهم أمثال الزعيم الشمال المغربي المدعو: عباس المسعدي الذي اغتيل من قبل المنظمة السرية التابعة لحزب الاستقلال و الخاصة بتصفية الأمازيع ، مما يستدعي الوقوف عند جرم المجرمين الذين اغتالوا أيضا زعماء الجنوب المغربي أمثال : عدي ابيهي زايد أحماد و موحى احمو الزياني وآخرون ممن رفضوا عودة القبيلة العلوية إلى السلطة...
علي لهروشي
alilahrouchi@hotmail.com
عندما يجب أن نتكلم عن التاريخ المغربي القريب، بدءا من مطلع القرن العشرين المعروف بعهد الحماية ، فإنه يتوجب علينا إبعاد مصطلح الاستعمار ، لأن هذا المصطلح يخفي في الحقيقة جرائم القبيلة العلوية التي اقترفتها في حق المغرب و المغاربة ، ويظهرها كأنها فعلا استُعمرت وتستحق الدفاع ، و المساندة و المؤازرة ، و بالتالي فكلمة الحماية و الاستعمار كلمتين منفصلتين ، وذات دلالات سياسية جد متناقضة ، حتى و إن كانت ممارساتهما القمعية ضد الشعب نفسها واحدة ، إلا أن استعمال كلمة الاستعمار قد يبين لقارئ تاريخ المغرب و كأن القبيلة العلوية وعلى رأسها المجرم السلطان مجرد ضحية ، بينما العكس هو الحاصل ، حيث أن الحماية تظهر عكس ذلك وتفضح جرائم هذه القبيلة العلوية المسلطة على المغرب ، فلا يجب أن نكذب على الأجيال الصاعدة ونحن نقول لهم بأن المغرب كان تحت الاستعمار بما يحمله هذا المصطلح من قوة ، وعنف ، وغزو وفتوحات كما حصل للمغرب في السابق مع الإسلاميين العرب المتوافدين عليه من المشرق العربي تحت شعار الفتوحات الإسلامية .
الحماية لها أسباب ودوافع من ضمنها تحرك بعض القبائل الأمازيغية ضد القبيلة العلوية بالمغرب ، وضد السلطان الغارق في اللهو و الزهو والسهر و المرح ، وقد أغرق بذلك المغرب و المغاربة بالديون للترفيه على نفسه ، وعلى خدامه وعبيده وعملاءه ، و كل من يدور بحاشيته ، كما أن هناك سبب أخر هو رغبة الدول الدائنة للقبيلة العلوية أن تضمن استعادة ديونها من المغرب ، وبما أن الاستقرار بالمغرب غير مضمون بفضل تحرك القبائل ، بسبب تقسيم القبيلة العلوية للمغرب إلى مناطق تسمى ب " بلاد السيبة " ومناطق تسمى ب " بلاد المخزن " وفي الواقع فبلاد السيبة يُقصد بها المناطق التي اندلعت فيها شرارة الانتفاضة الشعبية ضد القبيلة العلوية ، وقد سميت بمناطق السيبة لنعتها قدحا ، واعتبارها خارج القانون الذي سطرته القبيلة العلوية لحماية نفسها ، وهي نفس التهم التي توجه دائما للثوار بمختلف مناطق العالم من قبل القوة المسيطرة على الحكم ، أو ما يسمى بالحكم المركزي ، و إن اختلفت الأسماء و التسميات ، فمثلا اسبانيا ، و انجلترا ، وفرنسا ، و أمريكا ، و كولومبيا وآخرون ممن توجد لديهم منظمات وحركات ثورية رافضة للحكم المركزي ، نفسها تطلق تسميات منحطة للمس بالأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها هؤلاء الثوار ، من المنتمين لتلك لحركات الثورية التحررية. كمنظمة " أيرا" او " أيتا" أو ثوار الجزيرة الفرنسية "كورسيكا " أو الجيش الماركسي " لفارك" كلها في الواقع منظمات ثورية ضد الحكم المركزي، فنفس الشيء كان يجرى بالمغرب ، حيث تخشى القبيلة العلوية المسيطرة على الحكم المركزي أن يحدث ما لا تتمناه ، إذ أنه في أي وقت قد يتم القضاء عليها من قبل القبائل الثائرة ضدها ، وإزالتها من الحكم ، تلك القبائل الأمازيغية الثائرة ، التي وصفتها آنذاك القبيلة العلوية بمواصفات السيبة وغيرها ، فما أشبه اليوم بالبارحة.. إنه الماضي يستمر في الحاضر حيث يُوصف الآن كل رافض لاستمرار حكم القبيلة العلوية بالمغرب على أنه إرهابي ، وذلك لإضفاء الشرعية على قمعه وسجنه ، وبتر لسانه .
بما أن القبيلة العلوية هي المسئولة سياسيا عن ضمان استرجاع تلك الديون للدول الدائنة لها مثل فرنسا و اسبانيا وانجلترا ، وبما أنه كان من الضروري استرجاع تلك الديون نقدا أو عبر السماح لتلك القوى باستعمال و استنزاف الخيرات و الثروات المغربية ، فإن ذلك لن يتحقق لها بالطبع سوى ببقاء القبيلة العلوية على الحكم بالمغرب ، بما أنها هي التي وقعت على عقود تلك القروض و الديون ، ومن هنا وجدت تلك الدول حلها في حماية القبيلة العلوية من زوالها في أية لحظة ، باستبدالها لشخص بأخر من نفس القبيلة ، وفي نفس الوقت حماية ديونها ومصالحها بالمغرب، حتى ولو تطلب ذلك قتل وتشريد جميع المغاربة ممن يرفضون منهم فرض أمر الواقع ، وبهذا كانت فكرة الحماية هي الحجر الذي ضربت به تلك الدول عصفورين أو أكثر في آن واحد ، و تمكنت بفعل فكرة الحماية إلى الدخول للمغرب لحماية مصالحها المالية وغيرها ، ثم حماية القبيلة العلوية الموالية لها.
لقد تم توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 م هذه المعاهدة التي رفضها أغلب ممثلي الرأي العام الوطني بالمغرب آنذاك بمن فيهم فصائل كثيرة من قوات السلطان عبد الحفيظ التي ثارت في وجه جنود الحماية الفرنسية بعد التوقيع على ما سمي آنذاك بصك بيع المغرب ، على إثر ذلك حدثت انتفاضات عديدة هزت المناطق الأساسية بالبلاد وقد شكلت آنذاك ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي أهم حدث كاد أن يحرر المغرب ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائما هو: هل كان عبد الكريم الأمير يحمل إيديولوجية أخرى تحررية غير الرجعية العربية الإسلامية ؟ فمن هو إذن ؟ علينا أن ننظر إلى هدفه ، وبرنامجه المستقبلي ليس بمنظور عاطفي ، أو عرقي أو قبلي ، ولكن بمنظور تقدمي تحرري . ما هو الفرق بينه وبين الرجعية التي يتزعمها السلطان المنتسب للقبيلة العلوية ، إذا كان قد نصب نفسه أميرا كذلك ؟ ألم يكن من الحكمة و التبصر أن يتجنب المرء تسمية نفسه ، أو قبول لقب الأمير من الآخرين ، لأن المغاربة سئموا من الأمير و الأمراء ، و السلطان والملك ، فهم في حاجة إلى رئيس يتغير كل خمس سنوات عبر الاقتراع العام للشعب المغربي ، كما يقع بمختلف أرجاء العالم .ثم ما هو شكل الإمارة أو الدولة أو النظام السياسي الذي كان عبد الكريم –الأمير- بين قوسين يريد بنائه ؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج إلى جواب شفاف وواضح بعيدا عن القبلية والتعصب ؟؟
هل لازال البعض يشكك في كون القبيلة العلوية هي التي أدت إلى القضاء على وحدة المغرب ودحر قيمه المعروفة بالبطولة والرجولة و التضحية والإخلاص ، حتى ظل البعض يروج بوعي أو بغير وعي لمخططات القبيلة العلوية بنعته لكل ثائر ضدها بالانفصالي أو بالإرهابي ؟ ما الجدوى من مبايعة الأمير الخطابي بمنطقة معينة بالشمال المغربي في الوقت الذي كان فيه المقاومين من أبناء الشعب بالمناطق الأخرى يحلمون بوطن كامل ، وبمستقبل زاهر للمغاربة جميعا ، بعد القضاء على القبيلة العلوية ، وعلى الحماية ؟ لماذا البيعة بالضبط وليس الانتخاب و الترشيح ؟ أو حتى الاختيار الجماعي أو بالأغلبية ؟ لماذا بالضبط البيعة ، وهو أسلوب متخلف سئم منه المغاربة مع التاريخ الأسود للقبيلة العلوية ؟ حتى صاروا يرددون مقولة " إن كنت أنت أميرا ، وأنا أميرا ، من منا سيسوق كل هذه الحمير " ما موقع البيعة من الاختيار الديمقراطي ؟ ولماذا البيعة بالضبط ؟ ومن له الحق في مبايعة من ؟ وما هي شروط البيعة ؟ وهل يحق لمن يرفض البيعة أن يجهر عاليا بصوته ؟ هل يحترم هذا الصوت حتى لو كان يشكل الأقلية ؟ ألم يفكر الأمير في إيجاد مخرج أخر استشاري تقدمي غير أسلوب البيعة الرجعي ؟ مع العلم أنه قريب إلى أوروبا جغرافيا ، حيث لا تفصل بينه وبين أوروبا المتقدمة سوى كيلومترات محسوبة على رؤوس الأصابع ، لكنه للأسف متعلق عقليا وعاطفيا ، و فكريا و وجدانيا بالشرق العربي المتخلف ، مع العلم أنه بعيد عن المغرب بُعد الشمس عن الأرض ؟ لماذا لا يقتبس المغاربة سوى من العرب كأسوأ أنظمة الحكم في العالم ؟ وهل من المفروض على المغاربة أن يتجردوا من هوياتهم الأمازيغية ليصبحوا عربا مسلمين بالرغم عن أنوفهم ؟ من يضع حدا لهذا الاستلاب الفكري و العقلي و العقائدي ؟ وهيمنة اللغة العربية التي لا يحسن أحد من المغاربة قراءتها أو النطق بها ؟ ألم يكن المغاربة في حاجة ماسة إلى أتاتروك مغربي واضح وشفاف في طرحه السياسي ، الذي يحسم في عودة المغرب إلى أصله الحقيقي ، ليخلص الشمال الإفريقي من اللغة الاستعمارية العربية التي لم تجلب للمغرب و للمغاربة سوى الويلات كالبيعة وغيرها من النُظم ، والأنظمة الرجعية المتخلفة؟ هل سيظل المغاربة مرتبطين ومتعلقين بتاريخ وسخ متعفن لا يشكل أي أساس للنظر من خلاله إلى المستقبل المغربي ؟ متى سيُشفى المغاربة من مرض التعصب للوقوف عن موطن الداء قصد معالجته ، وذلك بالجهر بالمواقف الواضحة استجابة للأسئلة التي يفرضها المستقبل على الجميع : من نحن ؟ وماذا نريد أن نصله بهذا المغرب ؟ ليس العيب أن يكون أجدادنا الأوائل مع أو ضد القبيلة العلوية ، ولكن العيب أن نظل عاجزين نكتفي بتحميل المسؤولية لأجدادنا ، دون أن نعي بأن مستقبل المغرب رهين بالقضاء على تلك القبيلة العلوية ، وتحرير المغرب و المغاربة من يدها الوسخة بدماء أبائنا و أجدادنا ، وأحفادنا...
لقد ساهمت عوامل عدة في بيعة الريفيين للأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي منها تعذر تنفيذ المشاريع الإصلاحية التي تقدم بها الوطنيون، وعجز السلطان عبد الحفيظ عن الالتزام بشروط تلك البيعة المتخلفة ، و تساومه مع الحماية الفرنسية ، وقبوله بالتوقيع على عهدها عام 1912 متنازلا عن الحكم لها ، حيث بحثت عن بديل يحمي وجودها و يضفي نوعا من الشرعية على قراراتها ، و بذلك فكرت في ضرورة الحفاظ على امتداد القبيلة العلوية ، ومساندتها ، للهيمنة على الحكم بالمغرب ، لأن تلك القبيلة هي الضامنة لاستمرار نفس التقاليد المتخلفة للحكم بالمغرب حماية لمصالحها ، فتمت تحت رعايتها البيعة - لمولاهم يوسف -. وأمام هذه الوضعية المقلقة للمغاربة جميعا انطلقت مقاومة في جميع أنحاء المغرب ، إلا أنه سيتم تشتيتها بقوة وعنف ، الشيء الذي سيؤدي ببعض أبناء الريف إلى بيعة محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1921 للقيام بتنظيم القتال ضد الحماية ، لكن لماذا البيعة بالضبط ؟
حسب ما جاء في بعض الكتابات ، فقد رفض الأمير الخطابي ادعاءات الحماية الفرنسية ، وفند دعايتها التي وصفته بمجرد شخص ثائر يرغب في المُلك ، و رجل ناقم يطالب كغيره بالسلطان، بتأكيده أن هدفه الأسمى هو تحرير البلاد من نير التبعية للأجنبي ، وأنه لم يثر أبدا على العرش المغربي الذي ظل أسلافه مخلصين له دائما ، كما أكد حين وصوله إلى بور سعيد بمصر كما يقول علال الفاسي في كتابه " الحركات الاستقلالية في المغرب العربي " أنه - عبد الكريم الخطابي - كان دائم الولاء لجلالة المغرب الأقصى..لم يكتم ما بداخله من أهمية الإمارة التي أسندت إليه ، ذاكرا لهم أنه لم يقبلها إلا امتثالا لأمرهم الذي اجتمعوا عليه ، غير أنه لا بد أن يكون على بال أن إمارته ليست إمارة ملك و إنما هي لإجماع الكلمة " .يضيف علال الفاسي في نفس المرجع السابق ص: 139 " لم يكن تأسيس الجمهورية عدولا عن فكرة الملكية في نظر من قاموا به من زعماء الريف و لكنهم في الحقيقة لم يكونوا يستطيعون الكلام باسم ملك المغرب الذي جعلته ظروفه القهرية في منطقة النفوذ الفرنسي ، ولم يريدوا أن يقعوا في الخطأ الذي وقع فيه الهيبة و والد ماء العينين حينما أعلنا نفسيهما ملكين بعد أن كانا من مخلصي العرش والمدافعين عنه ، ولذلك فقد وجدوا حلا وسطا هو تأسيس نظام مؤقت يمكنهم من تنظيم الإدارة و تدريب الجمهور على العرش ، ولم يطالبوا أكثر من تطبيق نظام دستوري يحقق رغبات الشعب في مراقبة أعمال الدولة ، و التعاون على تسييرها" و في الواقع يجب التشكيك في كل ما جاء على لسان أي مغربي منتمي لحزب الاستقلال نظرا لما ارتكبه هذا الحزب من جرائم في حق المغاربة رغبة منه في حماية ولاستمرار القبيلة العلوية على هيمنتها على الحكم بالمغرب ، ويعتبر علال الفاسي زعيم هؤلاء الخونة ، وبالتالي لا يمكن تصديق أقواله ، ولكن يجب مقارنتها مع أقوال الآخرين من غير الاستقلاليين ، حتى ولو كانوا أجانبا للتأكد من صحة الوقائع بالمغرب ، لأن تاريخه وسخ وملوث يتوجب على كل حر أن يدافع على تنظيفه ، وغسله من أوساخ القبيلة العلوية وأتباعها ...
ظلت بيعة عبد الكريم الخطابي كما يراها البعض مجرد بيعة على تنظيم المقاومة التي ظلت تتجمع وتتفكك حسب الأمكنة والأزمنة ، و بدون إطار تنظيمي موحد ومستقر يتحكم فيها ، مما سهل على الحماية القضاء عليها بالارتكاز على المال لشراء الظمائر و الذمم ، و على العسكر والتدخل باسم السلطان لحماية مشروعيته التقليدية ، وذلك بإسقاط المقاومة ، و التشويه بها في وضعا موضع "السيبة" أو " الخروج عن الدين باسم نقض البيعة.
يقول الكاتب الهولندي من الأصل المغربي – مصطفى أعراب – في كتابه المعنون ب : الريف بين القصر ، جيش التحرير و حزب الاستقلال - في طبعته الأولى 2001 رقم الإيداع القانوني : 1623 -2000 منشورات اختلاف مطبعة فضالة المحمدية " في حوار أجريته في نهاية غشت مع الباحث الأمريكي – دافيد هارت – قال " أن التنظيم القبلي في الريف لم يكن ديمقراطيا كما يحاول البعض أن يوهم بذلك ، بل كان نظاما سياسيا قبليا مبنيا على السلطة الإقطاعية . خلافا لقبائل الأطلس التي كانت تعرف ضربا خاصا من الانتخابات ، لم تكن قبائل الريف تنتخب شيوخها ، كان شيخ القبيلة أو الفخذ يحاول إذا وصل إلى السلطة أن يظل فيها إلى أن يموت ، أما عن علاقة الريف بالحكم المركزي آنذاك فلم تكن علاقة ولاء و تبعية ، أن الريفيين لم يكونوا ضد السلطة المركزية ، لكنهم كانوا يفضلون دائما أن تبقى بعيدة عنهم " والسلطة المركزية فيما ذكره الكاتب هي القبيلة العلوية التي كان حكمها بعيدا عن كل من الريف و الجنوب ، إذ لم يكن لديها ما تقدمه لهذه المناطق الخارجة عن حكمها ، والمسماة أصلا من قبلها بمناطق السيبة ، ليس هناك أية علاقة وطيدة بين سلطة القبيلة العلوية ومناطق السيبة بين قوسين سوى أن تأخذ هذه الأخيرة من تلك المناطق الجبايات فقط . ومن خلال ما ذكره – دافيد هارت – حول منطقة الريف فقد لا يبتعد قوله عن قول – علال الفاسي- فيما سبق ، وبهذا أتساءل : هل يمكن اعتماد عبد الكريم الخطابي في الماضي ، والحاضر و المستقبل كأسلوب ، ومرجعية وتكتيك ، وإستراتيجية لتحريك الشمال المغربي؟ أم أن الأمر يستدعي نقد لحظة الأمير عبد الكريم وتحرير العقول من التشبث بمرحلته ، وتأهيلهم لمستقبل علماني أفضل ، يبتعد فيها الدين عن السياسة ،وتسييس أبناء الشمال المغربي ، وتوجيههم نحو تبني أفكار تقدمية تنبذ القبلية والعصبية و التعصب ، وتجعلهم ثوارا تقدميين لا رجعيين ضد القبيلة العلوية ، خاصة وأن قربهم الجغرافي نحو أوروبا يؤهلهم لقيادة حركات مسلحة لتحرير المغرب ، بتلقيهم دعما مسلحا من اليساريين و الثوار الأسبان ، فمن تستطيع أن يهرب المخدرات فقد يستطيع حتى أن يهرب السلاح ، و المغاربة في الواقع في حاجة ماسة للكفاح المسلح و ليس للمحذرات .
بادر بعض المغاربة يوم 11 يناير 1944م بتقديم وثيقة سميت آنذاك ب " وثيقة الاستقلال" إلى الإقامة العامة الفرنسية و إلى ممثل القبيلة العلوية الملك محمد بن يوسف ، لكن تحالف كل من الحماية الفرنسية و الملك المجرم هذا أدى إلى قمع المطالبين بذلك الاستقلال ، من هناك بدأت تترسخ قناعات جديدة لدى المغاربة بأن السبيل الأساسي و الوحيد لإبعاد الحماية ، و ربيبتها القبيلة العلوية لن يتحقق إلا عن طريق مواجهة العنف بمثله ، وعلى هذا الأساس كان من الضروري التحرك بكل السبل للدفاع عن المغرب وعن المغاربة ، على هذا الأساس انطلقت معركة التحرير في مختلف المناطق ، في ظرفية دقيقة تميزت بتسارع الأحداث وتنامي الوعي الوطني المغاربي بأهمية الكفاح المسلح.
لقد ورد في كتاب لمؤلفه - محمد بن سعيد ايت إيدر- تحت عنوان : صفحات من ملحمة جيش التحرير بالجنوب المغربي ، الطبعة الأولى ، الدار البيضاء يونيو 2001 رقم الإيداع القانوني 2001 0882 الطبع مطبعة - التسيير- " كان أهم حدث اتجهت له الأنظار آنذاك هو استمرار مفاوضات - إكس ليبان- التي انطلقت في شهر غشت من سنة 1955 م ، تلك المفاوضات التي لم تكن مريحة لكل الأطراف الوطنية المغربية ، خاصة أن المفاوض المغربي لم يأخذ بعين الاعتبار جملة من المعطيات " كما يضيف الكاتب " أسفرت عن صدور اتفاقيتي 2 مارس و7 أبريل 1956 وهو ما لم يكن في مستوى الطموحات الشعبية و التوجه نحو الاستقلال الكامل للتراب المغربي ... تلك المفاوضات قد كشفت عن توجهين مختلفين حول بناء المغرب المستقل. فهناك توجه يرى ضرورة بناء دولة ديمقراطية عصرية ، وذات مؤسسات دستورية يقوم بها مجلس تأسيسي منتخب ، بينما التوجه المحافظ و السائد لا يرى التسرع في هذا الشأن و اختار المزاوجة بين الحداثة و المحافظة على التقاليد المخزنية القديمة ، وقد انعكس هذا التناقض حتى داخل الحركة الوطنية التي شهدت خلافات كان لها تأثير على معركة التحرير و استكمال الوحدة الترابية ." ص 11
كما برزت أيضا نتائج تلك المفاوضات فيما عرفته الأوضاع السياسية بالمغرب غداة الاستقلال من تطورات ، دفعت بالجميع إلى محاولة ترتيب أوضاعه و الدخول في منافسات أخذت أحيانا طابعا عنيفا وذهب ضحيتها عدد من المواطنين العاديين ، و البارزين منهم أمثال الزعيم الشمال المغربي المدعو: عباس المسعدي الذي اغتيل من قبل المنظمة السرية التابعة لحزب الاستقلال و الخاصة بتصفية الأمازيع ، مما يستدعي الوقوف عند جرم المجرمين الذين اغتالوا أيضا زعماء الجنوب المغربي أمثال : عدي ابيهي زايد أحماد و موحى احمو الزياني وآخرون ممن رفضوا عودة القبيلة العلوية إلى السلطة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق