الخميس، 26 يناير 2012

أسئلة إلى السيد فيصل العرايشي

أحمد عصيد

لم يعد سرا من الأسرار، أو أمرا خارجا عن المألوف ما يعانيه العاملون في قناة تمزيغت (الثامنة) من ميز صارخ، بل يمكن القول إنه أصبح بمثابة القاعدة التي أصبحت تتجه بشكل واضح نحو تكريس الأمر الواقع، وجعل السلوكات العنصرية ضدّ هذه القناة أمرا طبيعيا ومقبولا. وفي الوقت الذي كان فيه على مسؤولي القطب العمومي أن يعملوا على الحدّ من هذه السلوكات المشينة، بدا واضحا أنّ من عُهد لهم بتسيير هذا القطاع وتدبيره، هم المصدر الرئيسي للميز والتحقير.

لقد تداولت الأوساط الشعبية والأمازيغية باستنكار ومرارة، خبر حرمان القناة الأمازيغية من تغطية المنافسات الرياضية التي يخوضها الفريق الوطني لكرة القدم هذه الأيام، غير أنّ ما حدث ليس بداية، بل هو استمرار لسلوكات سرعان ما انكشفت عن نهج في التعامل مع هذه القناة، يعتمد تصورا لا يبدو أنه ينسجم مع سياسة الدولة التي تمّ انتهاجها في إنشاء القناة، فقد تمّ إقصاء تمزيغت ومنعها غير ما مرة من تغطية الأنشطة الملكية وأنشطة المسؤولين الحكوميين، والمهرجانات السينمائية الكبرى، واللقاءات الدولية الهامة، ومن كل اللقاءات التي تشدّ اهتمام المشاهدين، هذا في الوقت الذي ينصّ فيه دفتر تحملات القناة، عكس ذلك تماما، على أن تعمل على تغطية كل تلك الأنشطة من أجل القيام بدورها في الإخبار والتثقيف والترفيه والمشاركة في تأطير المواطنين، وهو الدور الذي لا يمكن أن تضطلع به إن هي ظلت تعامل على هذا المنوال.

من جهة أخرى فقد ظهر منذ انطلاق القناة بأنها تعاني من نقص كبير في الإعتمادات والموارد البشرية، رغم أنه قد تمّ الإعلان رسميا عن ميزانية للقناة تهمّ الأربع سنوات التي تلي إنشاءها، كما لا يحظى العاملون فيها بحقهم المشروع في الإستفادة من الدورات التكوينية ومن الإمكانيات الضرورية للعمل والتي أبسطها الألبسة اللائقة، ورغم أن هؤلاء يبذلون بسبب قلة عددهم جهودا مضاعفة، إلا أنهم لا يحظون بامتيازات العاملين في القناة الأولى والثانية، كما لم يحصل المتعاقدون منهم حتى الآن على حقهم في الترسيم بعد كل الخدمات التي أسدوها للإعلام الأمازيغي والوطني. بينما يتواجد بعض العاملين في القناة الأولى في وضعية الموظفين الأشباح الذين يتقاضون أجورا شهرية بدون أي عمل جدّي.

ورغم الجهود التي بذلها على مدى سبعة عشر عاما منتجو الشركات الذين انطلقوا بتضحيات كبيرة في إنتاج الفيلم الأمازيغي بالفيديو على هامش الإنتاج الرسمي، إلا أنّ الذين كانوا دائما ضد الإنتاج السمعي البصري بالأمازيغية في التلفزيون، أصبحوا هم السباقين بشركاتهم إلى إنتاج جلّ برامج قناة تمزيغت.

وبسبب ضعف الإمكانيات، فقد اضطرّت القناة السيئة الحظ إلى نوع من التحجيم الذاتي الذي أدّى إلى خيبة أمل لدى جمهورها التواق منذ خمسين سنة إلى قناة تحترم اللغة والثقافة الأصليتين لسكان المغرب، فالقناة الأمازيغية وحدها التي تجد نفسها ملزمة بمطالبة الفنانين الأمازيغيين بتوقيع "تنازل" عن حقوقهم عن أعمالهم الغنائية ليتمّ بثها بالمجان، علاوة على دفع مستحقات زهيدة لمن يتمّ تكريمهم أو تقديم أعمالهم من الفنانين في الأمسيات الساهرة، مما أشعر هؤلاء بمزيد من الغبن بعد عقود من الإقصاء التام من وسائل الإعلام التي يؤدي الأمازيغ ضرائبها من أموالهم .

و إذا كان الإشهار يمثل جزءا من عائدات القنوات التلفزية وعامل نهضة وازدهار لها، فإن القناة الأمازيغية ملزمة ببث العديد من الوصلات الإشهارية التي تذهب عائداتها لصالح القناة الأولى، حيث تستعمل القناة الأمازيغية كتحفيز مجاني للمستشهرين من أجل التعامل مع القناة الأولى، وهكذا ضاع مصدر آخر من مصادر تمويل القناة، وظهر بشكل صاعق إلى أي مدى يمكن الإلتفاف على مشروع كبير وتحويله إلى مجرد مهزلة مثيرة للشفقة.

وفي الوقت الذي تمتنع فيه القناتان الأولى والثانية عن احترام تعهداتهما فيما يخصّ الأمازيغية ، حيث لا يتعدى ما تبثانه في هذا المجال نسبة ضئيلة ومخجلة، وفي الساعة الثامنة والتاسعة صباحا حتى لا يشاهدها أحد، فإن القناة الأمازيغية تلتزم بإنتاج 30 في المائة من البرامج باللغة العربية، كما يُفرض عليها أن تستدعي في كل سهرة فنية من سهراتها، بجانب الفنانين الأمازيغيين، فنانين يؤدون أغانيهم بالعربية، دون أن يكون مفروضا على القناتين الأولى والثانية دعوة فنانين أمازيغ، فقناة "الدوزيم" مثلا، تعطي نفسها الحقّ على مدى شهور عديدة في أن تقدم سهرات يوم السبت بمواد عربية لا غير، دون أن تجد حرجا في ذلك، بل إنها لا تنسى عرب المشرق أيضا، بينما يسكن بجوار القناة الثانية فنانون أمازيغيون كبار لا يُستدعون إليها إلا مرّة في السنة، بل منهم من لم تطأ قدمه قط أرض استوديوهات القناة.

أين يكمن سرّ هذه المعاملة التي تعاني منها القناة الثامنة وكيف يمكن تفسيره ؟

يعود هذا الميز الخطير أولا إلى عدم استقلالية القناة، فهي قانونيا تابعة لإدارة القطب العمومي التي ما زالت تتصرف على أن هناك قناتان تلفزيتان في المغرب هما الأولى والثانية، وقنوات ثانوية "ملحقة" أو "تكميلية" هي باقي القنوات، وهو تصوّر لا يمكن أن يسمح بتطور القنوات الستّ الأخرى، خاصة وأن القناتين نفسيهما في تراجع مستمرّ.

ومن جهة ثانية يكمن وراء هذا السلوك العنصري ضدّ القناة الأمازيغية ذهنية الميز التي ترسّخت منذ أزيد من نصف قرن ضدّ كل ما هو أمازيغي، وهي ذهنية لا وطنية ولا ديمقراطية، لأنها تنظر إلى الممتلكات الرمزية للمغاربة كما لو أنها مجال مفاضلة معيارية بين هذا المكوّن أو ذاك، مما يذكي الصراعات ويوقظ النعرات التي لا يمكن إنهاؤها إلا بالديمقراطية والإحترام المتبادل. وقد ساهمت وسائل الإعلام المغربية بشكل كبير في تزايد نقمة الأمازيغ ضدّ السياسات العمومية بسبب الميز المستحكم في نفوس المسؤولين.

من جهة ثالثة تعود هذه الممارسات الشاذة إلى اعتبار المسؤولين عن القطب العمومي بأنّ القناة الأمازيغية هي قناة متخصّصة في "الفلكلور" ولا شأن لها بالأحداث السياسية الوطنية والدولية، فإذا كانت القناة الرياضية خاصة بالرياضة، و كانت القناة السادسة مختصة في الدين، والقناة الرابعة مختصة في التربية، فإن القناة الأمازيغية مختصّة في الثقافة الأمازيغية فقط لا غير، بينما يقول دفتر تحملات القناة غير ذلك، فهي قناة عامة للإخبار والتثقيف والترفيه والرياضة والنقاش السياسي والمدني والشأن المحلي والإرشاد اليومي، ودورها لا يمكن مطلقا أن تقوم به قناة أخرى لأنها وحدها التي عليها أن تقوم بكل ذلك باللغة الأمازيغية، متوجهة إلى جمهور الناطقين بهذه اللغة، ومن هذا المنطلق لا يمكن بتاتا أن يزعم أحد ما بأنّ القناة الأولى يمكن أن تنوب عن تمزيغت في تغطية أنشطة الملك ومسؤولي الدولة واللقاءات الثقافية والفنية الكبرى الوطنية والدولية.

ومن جهة رابعة هناك عذر غاية في الغباء والبلادة، يعتمده بعض العاملين في القناتين الأولى والثانية بهدف تجنب إنتاج برامج بالأمازيغية، ومن أجل تحجيم دور القناة الثامنة، وهو اعتبار أن المغاربة جميعهم بعرفون "الدارجة المغربية"، ولا حاجة إلى بذل جهد مضاعف بلغة أخرى، وهو قول متهافت أولا لأنه غير صحيح ، ثانيا لأن القناة الأمازيغية لم يتمّ إحداثها لأن الأمازيغ لا يعرفون اللغات الأخرى، بل لأنها مطلب شعبي، ولأنّ الأمازيغية هي لغتهم الأصلية الأولى، ولأنها مسألة كرامة واعتراف وانتماء إلى الوطن الموحّد في تعدّده.

إن ما على السيد العرايشي أن يفهمه وكذا السيد وزير الإتصال الذي ما زال لم يحرك ساكنا أمام ما يجري، هو أن القناة الأمازيغية قد أحدثت من أجل رفع الميز عن الأمازيغ وليس من أجل إشعارهم بمزيد من التهميش، فإذا كانت الدولة قد أحدثت إطارات مؤسساتية جديدة من أجل فضّ نزاع موجود في المجتمع، فإن مهمة المسؤولين هو المساعدة على ذلك وليس تعميق المشكل من جديد ومنحه أبعادا أخطر مما كان عليه من قبل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق